الحرب بعد فيروس كورونا
حذّر قائد القوات المسلحة البريطانية، نيك كارتر، من أنّ حالة الغموض والقلق السائدة في العالم، في ظلّ الأزمة الاقتصادية، الناجمة عن جائحة كورونا، قد تنذر بإشعال فتيل حرب عالمية ثالثة. وجاء حديثه بمناسبة إحياء ذكرى لتكريم من فقدوا أرواحهم وأصيبوا في الصراعات. وقال لشبكة سكاي نيوز: "أي تصاعد للتوترات الإقليمية، أو أخطاء في تقدير الأمور، قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى صراع واسع النطاق". وأضاف: "أعتقد أننا نعيش في زمن أصبح العالم فيه مكانًا يسوده الغموض والقلق بشدة، كما أن ديناميكية المنافسة العالمية من سمات زماننا بالطبع. وأرى أنّ الخطر الحقيقي الذي نواجهه هو أن نشهد تصعيدًا يؤدي إلى سوء تقدير في ضوء وجود صراعات إقليمية كثيرة في الوقت الحالي".
وضعت أزمة وباء كورونا اقتصاديات العالم في أزمات عالمية، حيث أحدثت في دول كثيرة انكماشًا، وفي دول أخرى كسادًا، إلى حدّ الانهيار. هذا ما جعل طريق التعافي صعبًا وشاقًا وطويلًا، في ظلّ تعثّر منظمة الصحة العالمية في إيجاد اللقاح المناسب. إضافة إلى أنّ هذا الوباء يشهد موجاتٍ تصيب الدول، وكلّ موجة أخطر من سابقتها، ما يضع الدول أمام مصير مشؤوم، حيث بات الخروج من الأزمات ضيقًا جدّا، فلم يعد هناك سوى الحرب مخرجا رئيسيا قد يكون وحيدا. ولذا، لا تقتصر أزمة كورونا فقط على تصنيف الفيروس، من منظمة الصحة العالمية، وباء عالميا؛ بل تتجلّى بتأثيره على خفض الطلب العالمي، سيما على موارد الطاقة كالنفط، ما يقلّص من إيرادات الدول المصدّرة لهذه الطاقة، ويحدّ من قدرة الدول المنتجة على التصدير، بسبب هذه الجائحة، ناهيك عمّا يترتّب من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد بشكل دراماتيكي.
ما إن أعلنت منظمة الصحة العالمية خطورة الوباء وسرعة انتشاره، حتى سارعت الدول إلى إقفال حدودها، ومطاراتها، فتعطّلت الحركة في العالم، وشُلّ الاقتصاد العالمي. هذا الاقتصاد المرتبط بنظام عالمي معولم، تهيمن عليه شركات عملاقة متعدّدة الجنسيات، أشاعت في العالم ثقافة الجشع والربح، ومكننة الإنسان وتجريده من إنسانيته، تحت عنوان الإنتاجية والربح السريع.
يطلق ترامب على كورونا "الفيروس الصيني"، ما يدلّ على عمق الصراع الأميركي - الصيني على قيادة العالم
مرّت البشرية بأوبئة كثيرة، منها الإنفلونزا الإسبانية، وسارس، وإنفلونزا الطيور والخنازير، وغيرها الكثير، إلّا أنّ واحدةً منها لم تؤدِ إلى الانهيار الاقتصادي الذي أحدثه فيروس كورونا. علمًا أنّ إصاباته وحصده الأرواح لم تصل إلى ما وصلت إليه الأوبئة السابقة، لكنّ هذا الفيروس كان الأسرع في الانتشار في مختلف القارات، وأدّت جائحته إلى ضرب اقتصاديات الدول، الكبرى والصغرى.
ليس مصادفة أن يطلق الرئيس الأميركي الخاسر، دونالد ترامب، على كورونا "الفيروس الصيني"، فهذا يدلّ على عمق الصراع الأميركي - الصيني، على قيادة العالم، فأميركا، بحسب نظرية ثوسيديدس، المؤرخ اليوناني القديم، هي الدولة المهيمنة، الفارضة قوتها، المتحكّمة بالنظام العالمي. أما الصين، فبحسب المؤرخ، هي بمثابة الدولة الصاعدة التي تسعى إلى إيجاد نفسها في هذا النظام العالمي. ولهذا سيكون الصدام حتميًا بين هاتين القوتين، سيما أنّ لكلّ منهما حلف يتمدّد بين قارات العالم. في المقابل، أعلنت الصين، البلد الذي انتشر فيه الفيروس، بلسان الرئيس شي جين بينغ، القضاء على الفيروس ومحاصرته في بؤرة انتشاره. وهذا دليل على أنّ الحكومة الصينية استطاعت تقديم نموذج في مكافحة الوباء الذي عجزت دول متقدمة عن مكافحته، على الرغم من تطورها. وهذا دليل أيضًا على أنّ النموذج الصيني في التعاطي مع الكوارث والمشكلات العالمية ناجح ومتقدم؛ الأمر الذي يدفع سائر الدول الديمقراطية إلى الحذو حذوها.
سيمرّ العالم بمرحلة الحروب غير المباشرة، للخروج من الأزمات الاقتصادية
بالعودة إلى تحذير قائد القوات المسلحة البريطانية، وتسليطه الضوء على الأزمة الاقتصادية العالمية جرّاء فيروس كورونا الذي أنهك أكبر الاقتصاديات، وأمام عجز الدول العظمى في السيطرة على الوباء، نجد فرضية الحروب المستقبلية باتت حتمية، بإحدى الصيغتين: الأولى، الحرب التقليدية المباشرة، على مثال الحربين العالميتين، الأولى والثانية، مع استبعاد هذه الفرضية، خصوصًا بعد وصول الديمقراطي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض. إذ تاريخيًا، يعمد الحزب الديمقراطي في حكمه إلى اتّباع سياسة العصا والجزرة، مع الابتعاد عن الحرب المباشرة. الثانية، تتمثّل بالحروب غير المباشرة، حيث تعمد فيها الدول الكبرى إلى التقاتل بالمرتزقة، وعلى أراضي غيرها، كما يحصل في إقليم ناغورني كاراباخ. تكون هذه الحروب بالوكالة، إذ تعمد فيها الدول إلى إرسال الرسائل الميدانية لتحقق مكاسب في المفاوضات.
ينتظر العالم اليوم التغيير القادم مع انتصار بايدن، ومع إعلان شركات أدوية عالمية كثيرة، كشركة فايزر، تحقيقها نجاحاتٍ على صعيد لقاح كورونا. ولكن على الرغم من نية بايدن الإيجابية في التعاطي مع ملفات دولية كثيرة، وعلى الرغم من التقدم المستمر والناجح في علاج كورونا، إلّا أنّ الأكيد أنّ العالم سيمرّ بمرحلة الحروب غير المباشرة، للخروج من الأزمات الاقتصادية. ولا خلاص من هذه الأزمات إلا بحروب، لا سيما في شرقنا العائم على آبار نفطية وغاز ما قد يستجلب الحروب، بوجود علاج لكورونا أو بدونه.