الحرب اليمنية ليست عبثية
الحرب اليمنية التي تدور منذ عدة أعوام بين الحكومة الشرعية، مدعومة بـ"التحالف العربي"، والحوثيين الذين تساندهم إيران، ليست عبثية كما صار يتردّد على ألسنة بعض السياسيين، وفي بعض وسائل الإعلام والتواصل والاجتماعي. أقلّ ما يمكن أن يوصف به هذا الحكم أنه سطحي، غير أنه مدروس، ويصدُر عن جهاتٍ هدفها تحميل الطرف الأول مسؤولية الحرب، وإظهار الطرف الثاني مُعتدى عليه، وهو يدافع عن نفسه. وفي هذا التشخيص تجاوز لأسباب الحرب وتجهيل للطرف الذي باشرها، وتغطية على الأهداف المتوخّاة منها. والملاحظ أن هذه النغمة بدأت تتصاعد منذ حوالي عام، بعد أن فشل الهجوم الحوثي الكبير في الاستيلاء على محافظة مأرب الاستراتيجية، أهم معاقل الشرعية في شمال اليمن، والتي ستشكّل المنعطف في هذه الحرب التي تدور منذ سبعة أعوام.
الحرب فجّرها الحوثيون بالزحف على صنعاء والسيطرة عليها، وإسقاط الحكومة الشرعية في سبتمبر/ أيلول عام 2014. واستكمالا لمشروعهم الانقلابي حاولوا اعتقال رئيس الدولة، عبد ربه منصور هادي، ورئيس الوزراء خالد بحاح. وبعد الفشل، واصلوا الهجوم بهدف السيطرة على بقية أجزاء البلد، ووصلوا حتى عدن بعد احتلال الساحل الغربي وميناء الحديدة الذي يعد أهم شريان بحري للقسم الشمالي من البلد. ولأنهم فشلوا في السيطرة على الجنوب، واندحروا باتجاه صنعاء تحالفوا مع الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، ومن ثم انقلبوا عليه وقتلوه في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2017. وبعد صولات وجولات، تبين أن من يدير هذه الحرب ليس الطرف الحوثي وحده. وفي الأعوام الأخيرة، صار واضحا أن القدرات القتالية والأسلحة الموجودة في أرض المعركة تتجاوز إمكانات الحوثيين ومن التحق بهم من قوات الدولة اليمنية السابقة، خصوصا أنهم أخذوا، في السنوات الأخيرة، يفقدون التعاطف الذي كانوا يحظون به من بعض الأوساط. واكتشف الشارع اليمني أن المظلومية الحوثية باتت مشروعا يتجاوز البلد، من أجل توظيف اليمن في النزاع مع السعودية، بهدف تحقيق أهداف إيران وأطماعها في منطقة الخليج العربي، مثلما حصل في لبنان والعراق وسورية، وكان العامان الأخيران حاسمين على هذا الصعيد، وشهدا تجريبا للأسلحة الإيرانية، من طائرات مسيّرة وصواريخ بالستية، في الحرب مع السعودية التي خسرت الشوط، وهي تقاتل في هذا الوقت على نحو دفاعي، وتبحث عن مخرجٍ يقيها خطر القصف، والخسارة السياسية. وتكمن العقدة الآن في مسألة اعتراف السعودية بأنها هي التي شنّت الحرب، وبالتالي تتحمل كلفة الخسائر التي لحقت باليمن، وهذا ما تضغط من أجله إيران. وليس مصادفة أن طهران اشترطت يوم الاثنين الماضي لاستئناف المفاوضات مع السعودية أن توقف الأخيرة الحرب على اليمن، وبذلك تعترف بأنها الطرف المعتدي.
وحين تضع هذه الحرب أوزارها، سوف تظهر حقيقتها أكثر، ويتبيّن مدى ضلوع إيران فيها، على نحو مباشر وغير مباشر، من خلال حزب الله اللبناني تحديدا، ولن تكون نتائج الحرب أقل من محاصرة السعودية، وفرض شروط إيران على منطقة الخليج، وساعتها سيجني النتائج الوخيمة أولئك الذين لا يريدون مواجهة الدور الإيراني على حقيقته، كما يتجلى في لبنان والعراق وسورية، وستسقط أوهام كثيرة، منها التعويل على الولايات المتحدة لحماية الخليج، وتعزيز أمنه بوجه الخطر الإيراني، على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، سبق لها أن دفنت هذه الخرافة، حين وقعت الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، وكان ذلك اعترافا صريحا بدور إيران الأساسي في منطقة الخليج والشرق الأوسط. وفي جميع الأحوال، لم تنفد كل الفرص، من أجل مواجهة الحلم الإيراني التوسّعي القائم على استخدام العالم العربي درع مواجهة، في حروب إيران الإقليمية والدولية.