الحرب التي تبدو لا مفرّ منها
شهدت حرب الإسناد، التي تحوّلت حرب استنزاف، التي يشنّها حزب الله منذ ثمانية أشهر ضدّ إسرائيل، منعطفاً خطيراً يُنذر بعواقب وخيمة، ويهدّد باحتمال تحوّل تبادل الضربات الموجعة، بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، مواجهةً واسعةَ النطاق بينهما، رغم تأكيد مسؤولي الحزب، وآخرهم نائب أمينه العام، نعيم قاسم، أنّ الحزب لا يريد توسيع المعارك، ولا يسعى إلى حربٍ شاملة، لكنّه مُستعدّ لها.
من يتابع ردود الفعل الإسرائيلية على تطورات الوضع الناشئ، اليوم، على الحدود، يلاحظ أنّها وصلت إلى نقطة جديدة وخطرة للغاية، وذلك في ضوء المعطيات التالية: أولاً، توسّع نطاق القصف المُتبادل بين الطرفَين، والأضرار الكبيرة التي خلّفها لديهما، سيّما الحرائق الكبيرة التي اندلعت، أخيراً، في أكثر من منطقة في إسرائيل جرّاء قصف حزب الله، ما أدّى إلى احتراق آلاف الدونمات، وخلّف أضراراً توازي، بحسب مصادر إسرائيلية، ضعفي الأضرار الناجمة عن حرب تمّوز (2006) بين إسرائيل وحزب الله. ثانياً، نوعية الأسلحة الجديدة التي يستخدمها حزب الله في هجماته مثل صاروخ بركان، والمُسيّرات الانقضاضية، والحوّامات الناسفة، والتي ظهرت آثارها في الأضرار الكبيرة التي تعرّضت لها مواقع عسكرية، ومستوطنات مثل كريات شمونة، وغيرها من المستوطنات الإسرائيلية، التي تحوّلت مدنَ أشباح، مع دمار وخراب نرى صوره في صفحات الصحف الإسرائيلية يومياً. ثالثاً، تفاقم النقمة الشعبية في داخل إسرائيل ضد قرار الحكومة إخلاء مائة ألف شخص من سكان مستوطنات الشمال، ما حولها إلى هدف سهل لصواريخ حزب الله، الذي يمارس حرباً نفسية على من بقي منهم من خلال إرسال رسائل إلى هواتفهم يعلمهم فيها أنّه يقصف منازلهم لأن الجنود الإسرائيليين يتمركزن فيها. رابعاً، تصاعد الأصوات في داخل إسرائيل، التي تطالب الحكومة والجيش الإسرائيلي بردّ قاسٍ وعملية عسكرية واسعة النطاق ضدّ الحزب، حتّى لو كان الثمن المخاطرة في الدخول في حرب أخرى. رابعاً، زيادة عدد الاحتياط 50 ألف جندي إضافي، إلى جانب المُجنّدين، وعددهم ثلاثمائة ألف، وتزايد التصريحات الرسمية والتعليقات والتحليلات بأنّ نصر الله مخطئ في تقديره أنّ إسرائيل لا تريد مواجهة واسعة في لبنان، في التوقيت الحالي.
يطرح هذا كلّه أكثر فأكثر السؤال: هل أصبحت حرب واسعة النطاق إسرائيلية ضدّ حزب الله في لبنان أمراً لا مفرّ منه؟... للإجابة، تجب مراجعة حسابات الربح والخسارة الإسرائيلية. ليس خافياً على أحد أنّ أيّ قرار إسرائيلي بعملية عسكرية واسعة في لبنان بحاجة إلى ضوء أخضر من الإدارة الأميركية، التي، حتّى الآن، تقف موقفاً حازماً ضدّ أي عمل عسكري من هذا النوع، قد يُؤدّي إلى اندلاع حرب إقليمية إذا انضمّت إلى القتال إلى جانب حزب الله المليشيات الموالية لإيران الموجودة في سورية والعراق واليمن. ناهيك عن أنّ الخارجية الأميركية لا تزال تُؤمن بإمكانية إعادة الهدوء إلى الحدود فور التوصّل إلى إبرام صفقة المخطوفين، التي عرضها بايدن أخيراً، والتي تعتمد على مقترحات من الحكومة الإسرائيلية نفسها.
ليس خافياً على أحد أنّ أيّ قرار إسرائيلي بعملية عسكرية واسعة في لبنان بحاجة إلى ضوء أخضر من الإدارة الأميركية
هناك عامل أساس، ربّما هو الأكثر أهمّية؛ ماذا سيكون هدف العملية العسكرية الإسرائيلية ضدّ حزب الله في لبنان؟... ليس القضاء على حزب الله مثل هدف القضاء على حركة حماس في حرب غزّة، لأنّه هدف مُستحيل التحقيق. فهل يكون الهدف في هذه الحال تلقين حزب الله درساً قاسياً من خلال ضرب قواعده ومنشآته، في كلّ لبنان، العسكرية وغير العسكرية، مع كلّ ما يستتبع ذلك من ردّ للحزب بقصف كثيف للجبهة الداخلية الإسرائيلية (بعض الخبراء الإسرائيليين يتوقّعون تعرّض إسرائيل يومياً لقرابة ثلاثة آلاف صاروخ ومدة غير محدودة) فيما يشبه عملية انتقامية سيدفع الطرفان (سيّما المدنيون) ثمنها غالياً، ما سيخلق غزّة جديدة في لبنان، ويؤلّب الرأي العام أكثر فأكثر ضدّ إسرائيل؟ أمّ أنّ الهدف سيقتصر على أيام من القتال يكون الغرض منها إبعاد قوات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني؟ لكنّ هذا يمكن أن يتحقّق، كما يُشدّد الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، من طريق المفاوضات، وليس بعملية عسكرية وخيمة العواقب على الطرفَين.
من دون تحديد واضح للهدف من العملية العسكرية، في التوقيت الحالي، ضدّ حزب الله في لبنان، يأخذ في الاعتبار كلّ حسابات الربح والخسارة، لن يكون من السهل على حكومة نتنياهو المخاطرة بتوسيع القتال في لبنان في هذه اللحظة الحرجة، التي تجرى فيها مناقشة التوصّل إلى وقف إطلاق نار في غزّة أسابيع عدّة في المرحلة الأولى، والذي لا بد أن ينعكس في المواجهات مع حزب الله. ومع ذلك، تجب الإشارة إلى أنّ الجهد الذي يبذله المسؤولون الإسرائيليون لإظهار استعدادهم الكامل للدخول في عملية عسكرية واسعة النطاق له، أيضاً، دور تهويلي هدفه إثارة مخاوف حقيقية لدى حزب الله حيال نيات إسرائيل، التي إذا تحقّقت، فإنّها لن تقضِي على القوة العسكرية لحزب الله، لكنّها من المُؤكّد ستقضي على ما تبقّى من قدرة اللبنانيين على الصمود والعيش الكريم، في ظلّ الكارثة الأكيدة التي ستلحق بهم، والويلات التي تنتظرهم، والتي يشاهدون، يومياً، أمثلة دموية منها في غزّة.