الجنوب اللبناني .. فك الاشتباك أو ربطه
وقعت الغارة الإسرائيلية عند الساعة 7:45 صباحًا في 14 أغسطس/ آب عام 2006، واستهدفت بساتين الأطراف الشرقية لمدينة صور. وبعد 15 دقيقة دخل تطبيق قرار "وقف الأعمال العدائية" الذي نص عليه قرار مجلس الأمن 1701 حيّز التنفيذ. وكان القرار أقرب إلى البنود التي تتضمنها اتفاقية "فك الاشتباك بين متقاتلين"، حيث يلتزم الطرفان بوقف الأعمال العسكرية من دون إبرام معاهدات سلام.
استمرّت التهدئة، على الرغم من التحولات الإقليمية الكبرى، ودخول حزب الله شرعيًا وعلنيًا إلى جانب محور الممانعة، وعلى الرغم من القصف الإسرائيلي المستمر على مواقعه في سورية. صحيح
أن خروقات وقعت، إلا أنها كانت عمليات مدروسة للحزب في المناطق المفتوحة، كمزارع شبعا على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، تمامًا كما حصل نهار 6 أغسطس/ آب الجاري، بإطلاق عشرات الصواريخ على هذه المناطق.
أرخت اتفاقيات "فك الاشتباك" بظلالها على بعض الدول العربية مع العدو الإسرائيلي، سيما التي تجاور حدوده، كمصر وسورية بعد حرب أكتوبر 1973. إذ كانت أولى هذه الاتفاقيات مع مصر، التي وقّعتها في 18 يناير/ كانون الثاني 1974، في جنيف، بواسطة رئيسي أركان الجيشين المصري، اللواء محمد عبد الغني الجمسي، والإسرائيلي، الجنرال دافيد اليعازر، والجنرال أنزيز سياسسفو عن الأمم المتحدة. ثم أعقبتها اتفاقية أخرى على الجبهة السورية مع النظام السوري، في 31 مايو/ أيار من العام نفسه، من جهة الجولان المحتل.
ما هو ملفت في ردّ حزب الله، البيانات المؤيدة والداعمة لعملية الحزب في الجنوب اللبناني ليس من الداخل اللبناني، بل من جهات تدور في فلك محور الممانعة
بالعودة إلى جبهة الجنوب اللبناني، شهدت هدوءًا نسبيًا أكثر من 15 عامًا، حيث كان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، بنيامين نتنياهو، يتجنّب التصعيد، لانشغالاته الداخلية في الانتخابات وتشكيل الحكومات، ولإعطاء الأولوية في سياساته الخارجية إلى الملف النووي الإيراني. وأعلنت السلطات اللبنانية أنها ملتزمة بقرار 1701، وترحب بدور قوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب (اليونيفيل). غير أن التوتر عاد إلى جنوب لبنان، الجمعة 6 أغسطس/ آب الجاري، بعد إطلاق صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة، فيما ردّ الجيش الإسرائيلي بقصف مدفعي، مستهدفًا المواقع التي أطلقت منها الصواريخ. لم يكن منتظرًا التصعيد وتدهور الأمور في الجنوب إلى حرب حقيقية كما حصل عام 2006، إذ قال المتحدث باسم جيش الاحتلال، أمنون شيلفر، إن "إسرائيل لا رغبة لها في التصعيد إلى حرب شاملة، لكننا بالطبع مستعدون لذلك". كما أن اعتماد حزب الله الضرب في المناطق المفتوحة يهدف إلى إيصال أكثر من رسالة إلى العدو، منها عدم الرغبة في التصعيد مع إظهار جهوزية الحزب للقتال، على الرغم مما يعانيه لبنان من انهيار اقتصادي وتدهور في عملته، وما يعيشه الشعب اللبناني من جحيم حقيقي.
ما هو ملفت في ردّ الحزب، البيانات المؤيدة والداعمة لعملية الحزب في الجنوب اللبناني ليس من الداخل اللبناني، بل من جهات تدور في فلك محور الممانعة المرتبط عقائديًا وعسكريًا مع إيران، إذ سارعت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان، وجماعة أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، و"الحشد الشعبي" في العراق، إلى الإشادة بصواريخ حزب الله على المناطق المفتوحة، في دليل واضح على الانقلاب على اتفاقية فك الاشتباك المرتبطة بقرار مجلس الأمن رقم 1701، إلى السير باتفاقية جديدة ترتكز على ربط الاشتباك، للأطراف محور المقاومة من إيران وصولًا إلى لبنان وغزّة مرورًا بسورية والعراق واليمن.
بات كل شيء متاحا، وكذا ربط الاشتباك بين إيران وأدواتها، وقد أصبحت في كامل جهوزيتها لأي سيناريو محتمل
وصلت الرسالة واضحة من الجانب الإيراني، بأن أي خرق لقواعد الاشتباك مع إيران، في ظل التصعيد الإسرائيلي والأميركي والأوروبي سيقابله حتمًا إشعال المنطقة من الخليج إلى المحيط. لقد دفع تهديد رئيس الوزراء الاسرائيلي، نفتالي بينت، في رسالة إلى إيران "أن زمن الجلوس بكل راحة في طهران وإشعال الشرق الأوسط بأسره من هناك انتهى"، إيران إلى تصعيد الخطاب وتوجيه الرسائل عبر أدواتها في المنطقة، وعلى ما يبدو، الجنوب اللبناني هو الأقرب.
أخيرًا، من فكّ الاشتباك إلى ربطه ستوضع المنطقة بأسرها أمام معادلاتٍ جديدة، وساحات قتال لن تقف عند جغرافيا محدّدة، فيبدو أن الجمهورية الإيرانية أخذت الضوء الأخضر من حليفتها الاستراتيجية روسيا الاتحادية، بطريقة مباشرة، عندما أقدمت الدفاعات الجوية الروسية في سورية على إسقاط صواريخ الطيران الإسرائيلي أخيرا على دمشق. .. رسائل كثيرة وجهت بعشرات من صواريخ الحزب على المنطقة المفتوحة، وسط التصعيد الخطابي والتشدّد الرفضي لإسرائيل بالعودة إلى المفاوضات في الملف النووي. لهذا بات كل شيء متاحا، وكذا ربط الاشتباك بين إيران وأدواتها، وقد أصبحت في كامل جهوزيتها لأي سيناريو محتمل.