البوتينيون العرب وأعراض الصدمة

17 سبتمبر 2022
+ الخط -

بعد هجومٍ مخطّط له بعناية، تمكّنت القوات الأوكرانية من استعادة عشرات البلدات وطرد القوات الروسية منها. لكن المفاجأة لم تكن في الانتكاسة الروسية المؤلمة، بل في انسحاب الجنود الروس بسرعة، وترك أسلحتهم ومعدّاتهم وحتى ملابسهم، ليستولي عليها الأوكرانيون، حتى إن بعضهم سخر مما حدث، واصفا روسيا بأنها تحوّلت إلى أهم مصدر من مصادر السلاح للجيش الأوكراني.

امتدّت هذه السخرية أيضا إلى التبريرات الرسمية الروسية عن "إعادة تجميع القوات"، وهو ما يذكّر بالحجج التي تطلقها الأنظمة العربية لتبرير هزائمها العسكرية، من قبيل "الانسحاب إلى خط الدفاع الثاني"، أو "الانسحاب التكتيكي"، أو "إعادة التموضع"، وغيرها من الأكاذيب.

جاءت هذه الانتكاسة لروسيا لتقضي على أوهامٍ روجتها موسكو وأذرعها السياسية والإعلامية، فضلا عن المهووسين بالرئيس فلاديمير بوتين، والمتأثرين بالدعاية الروسية عن قوة الجيش الروسي، وذلك منذ بداية الحرب. من هذه الأوهام، أن العاصمة الأوكرانية كييف ستسقط لا محالة خلال ساعات أو أيام على أقصى تقدير، وأن الأسلحة الروسية لا تُقهر وقادرة على سحق المقاومة الأوكرانية. بالإضافة إلى أن روسيا بشنّها الحرب ستؤسّس نظاما عالميا جديدا مع الصين، للقضاء على هيمنة الولايات المتحدة والغرب.

جاءت هذه الانتكاسة لروسيا لتقضي على أوهامٍ روجتها موسكو وأذرعها السياسية والإعلامية

تبخّرت كل تلك الأوهام مع استمرار الحرب حتى تجاوزت ستة أشهر. ولكن المعجبين ببوتين وروسيا أصيبوا، بعد الهزيمة الروسية أخيرا، بصدمة كبيرة، جعلت بعضهم يتخبّط في حالة إنكار مثيرة للسخرية، وبدأنا نرى آراء وسيناريوهات وضعها هؤلاء المصدومين، لم تدُر بخلد الروس أنفسهم، وذلك في محاولة منهم لتبرير ما حدث.

من هذه الحجج والتبريرات ما قاله رئيس إدارة منطقة خاركيف الموالي لروسيا عن أن انسحاب القوات الروسية حدث بسبب التفوق العددي الكاسح لأوكرانيا، والذي وصل إلى ثمانية أضعاف. وهو تبرير يؤكد فشل القيادة الروسية وسوء تخطيطها الشنيع، لأن "ثاني أقوى جيش في العالم" لم يكن ينبغي أن يواجِه هذا التفوق الأوكراني الكبير بأي حال.

ويبدو أن بعضهم لا يزال حبيسا في زمن الحرب العالمية الثانية، إذ علّق أحد المصدومين بأن الشتاء سيقلب الموازين لصالح روسيا، لأن "الشتاء حليف دائما لروسيا!"، في محاولة لتشبيه المعارك الدائرة حاليا مع الحرب التي خاضها الجيش السوفييتي ضد قوات هتلر، وهو كلام مضحكٌ أيضا، لأن الجيش الأوكراني لا يُقارن على الإطلاق بجيش هتلر، فقد كان مفترضا أن تُحسم الحرب سريعا وفقا للدعاية الروسية نفسها، كما أن انتظار الشتاء يطرح تساؤلات عن جدوى الجيش الروسي من الأساس إذا كان الطقس هو الذي يرجّح كفته في كل معركة.

بعد انكشاف حقيقة الهزيمة وأبعادها، لجأ بعضهم إلى التشبيح المباشر والعلني لإظهار عدم تأثره بما حدث

بينما تحدث آخرون وكأنهم مسؤولون عسكريون في الجيش الروسي، مؤكّدين أن بوتين لن يقبل الهزيمة، ومهدّدين بأن موسكو سترد باستخدام السلاح النووي! وهو دليل إضافي على الفشل الروسي الذريع، ولا يعتبر دليل قوة على الإطلاق إذا حدث، كما أن هذا الكلام يهين بوتين نفسه، إذ يصوّره وكأنه طفل متشبثٌ بلعبة ويريد الحصول عليها مهما كان الثمن.

وأخيرا، وبعد انكشاف حقيقة الهزيمة وأبعادها، لجأ بعضهم إلى التشبيح المباشر والعلني لإظهار عدم تأثره بما حدث، عبر التعبير عن السعادة لقصف القوات الروسية محطات الكهرباء في خاركيف، ما أدّى إلى انقطاع الكهرباء عن المدينة، وهو سلوكٌ منحطّ يناسب شبّيحة بشار الأسد وأمثالهم ممن لا يستطيعون الانتصار إلا على المدنيين. لكن حتى هذا الانتصار الوهمي فشل بعد نجاح أوكرانيا في إعادة الكهرباء، ليبقى المصدومون يتخبّطون في عالمهم الموازي ونظامهم العالمي الجديد الذي لم يجدوه!

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.