الانتخابات المصرية رافعةً للعمل السياسي

06 أكتوبر 2023

مصريون في مسيرة تأييد انتخابية للرئيس السيسي في الجيزة (2/10/2023/فرانس برس)

+ الخط -

هل تشهد مصر مشهداً انتخابياً عبثياً آخر، ويكون مشابهاً للمسرحيات السابقة التي ضمنت للرئيس، عبد الفتاح السيسي، الفوز المتكرّر في الانتخابات الرئاسية، وبالنسبة المعهودة لأمثاله من الحكّام، أي 94% فما فوق من أصوات المقترعين؟ وبينما تأتي الانتخابات الرئاسية الجديدة، في 10 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وسط تحدّياتٍ داخليةٍ وخارجيةٍ تواجه البلاد، ليس أقلها التضخّم وانخفاض مستوى المعيشة وانتشار الفقر والبطالة بسبب غياب التنمية الحقيقية، فيما يبدو النظام عازماً على تكرار نهجه السابق الذي أفضى إلى تكريس هذه التحديات. وعلى الرغم من النتائج المحسومة مسبقاً، كما في الانتخابات السابقة، لصالح السيسي، إلا أن الانتخابات الحالية تعدّ فرصة للقوى السياسية التي خملت بسبب القمع والخوف المفروض والمتواصل عشر سنوات، لتستغلّ الهوامش المتاحة من أجل إعادة تجميع قواها، على هدفٍ تغييريٍّ بات ضرورياً، محاولةً لإيقاف التدهور في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

بعد عشر سنوات من حكم السيسي، باتت التحدّيات التي تواجه مصر أشدّ وأكثر خطورة بسبب عدم الشروع في حلّ المشكلات القديمة التي أدّت إلى اندلاع ثورة 25 يناير (2011)، وأدّى عدم حلّها إلى ظهور مشكلاتٍ أخرى جديدة توالدت من القديمة، وباتت عصيّة على الحلّ نتيجة النهج الاقتصادي الخاطئ، أو بالأحرى، نتيجة غياب أي نهج أو خطّة اقتصادية واضحة، أو حتى نيةٍ لحلٍّ ما ورثه السيسي من مشكلات، فما بالك بحلّ تلك التي تسبّب هو ونظامه بظهورها. ولا يمكن التأكّد من حجم الأزمة التي تعيشها البلاد إلا بعد التمعّن بقيمة المديونية وخدمة الديْن التي تُثقل الاقتصاد المصري، والتي تهدّد البلاد بالإفلاس بعد تراجع الأصول الأجنبية في البنوك المصرية إلى السالب. ويترافق ذلك مع زيادة في معدّل التضخم السنوي الذي وصل إلى ما يقارب 39% في أغسطس/ آب الماضي، مع انخفاض قيمة الجنيه المصري الذي وصل سعرُه الرسمي إلى 30,9 جنيها مقابل الدولار. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر سلباً على تكاليف الإنتاج وقيمة المستوردات، وبالتالي، على معيشة المصريين، ما يُفاقم التحدّيات التي منها الفقر والمديونية الناتجة من خلل الميزان التجاري والإنفاق على المشاريع الفاشلة، وتحدّي سدّ النهضة الوجودي، ومشكلات التغيّر المناخي وكوارثه المحتملة، وكذلك الأزمات السياسية والأمنية في الدول المحيطة، ليبيا والسودان، علاوة على بؤرة التوتّر في قطاع غزّة، والتي يمكن أن تتزايد خطورتها نتيجة تخبّط النظام في أزماته.

الترّشح ضد السيسي، قد يكون فاتحة لحراك، تبدو الأرضية جاهزة له، بعد فقدان أمل المصريين في تغيير أوضاعهم

بعد تأكّد فشل طروحات النظام الباهتة، ووعوده القديمة بتحقيق التقدّم والازدهار، والتي لم تجد لها تمظهراً سوى في المدن الجديدة الخاوية، أخوات العاصمة الإدارية في الصحراء، والقصور الرئاسية والسجون العملاقة، والتي أصرّ الرئيس على تشييدِها بدلاً من المصانع والمزارع التي تحتاجها مصر من أجل تنميتها المستدامة، وبعد عسكرة مؤسّسات الدولة ومرافقها، بعد ذلك كله، يتبيّن للمصريين أنهم قد خُدعوا، ولم ينالوا من الوعود الوردية سوى المصائب الاقتصادية التي ازدادت مع ازدياد معدّلات قمع الحريات وبثّ الخوف في قلوب المعارضين والموالين على السواء. لذلك تعدّ التربة في مصر مؤاتية هذه الأيام من أجل طرح البدائل التي إذا لم تظهر في هذه الفترة، وتتلازم مع الاستحقاق الانتخابي الحالي، فإن سنوات ستّا أخرى في القمع والفوضى ستكون كارثيةً على البلاد والشعب المصري، لأنها ستُفاقم التصحّر السياسي، وستزيد من التأزّم الاقتصادي والاجتماعي.

عشية الاستحقاق الانتخابي، بشَّر الرئيس السيسي قبل أيام، في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، أو ربما مهَّد، لواقعٍ جديد سيكون معمّماً على المصريين في الفترة المقبلة، وهو الجوع والحرمان. إذ قال في افتتاح مؤتمر حكاية وطن: "لو كان ثمن التقدّم والازدهار للأمة ألا تأكل وألا تشرب مثلما يأكل الآخرون ويشربون، فلن نأكل ولن نشرب"، والذي يعني أن لا مانع من تجويع الشعب وحرمانه أكثر وأكثر. ولا يمكن للمتابع تصنيف تصريحه هذا إلا برنامجاً انتخابياً، وقد جاء في الوقت المناسب، لكي يدرك المصريون أن مأساتهم مستمرّة. وفي هذا التصريح إشارةٌ إلى الاستمرار في نهج تفضيل الحجر على الإنسان، فإذا لم يكن هدف "التقدّم والازدهار" توفير حاجات الشعب المادية والروحية، فما هو الهدف إذا؟ إنه هذه المدن الذكية، الجديدة والخاوية، والتي لن تقدر سوى قلّة من بطانة السلطة على تملُّك جزء منها، ويُترك الباقي للريح تصفر فيه.

بين لحظة تخلّي المعارضة المصرية عن خوفها، واستمرار النظام بإظهار الخوف، يمكن أن تبدأ أولى جولات تحدّي النظام في المعركة الطويلة نحو تغييره

وبكلامه هذا، يكون الرئيس قد أعطى المصريين وقواهم السياسية، الفرصة لكي يبحثوا عن سبلٍ للخلاص من النظام، بعدما أكّدت كلماته هذه، للموالين له قبل المعارضين، أن نهجه هذا سيودّي بالبلاد إلى الجوع والهلاك، فهل يمكن لأجواء سباق الانتخابات المقبلة، والفعاليات المرافقة لها، أن تُفرز حراكاً مطلبياً وتكون رافعةً للعمل السياسي، على الرغم من أن الأمل في حصول تغييرٍ كبيرٍ عبر الانتخابات الرئاسية أمر مستبعد؟

انطلاقاً من اليقين المؤكّد أن هزيمة السيسي ونظامه عبر صناديق الاقتراع مهمّة مستحيلة، بسبب الظرف الذاتي الخاص بمعارضيه، والظرف الموضوعي الخاصّ بداعميه الإقليميين والدوليين الذين ليسوا حالياً في وارد البحث في مستقبله، إلا أن الترشّح ضدّه، حتى لو كان بلا جدوى، يعدّ فرصةً، وجولة في المعركة الطويلة لوقف النهج الحالي. ويمكن لهذا الترشّح وما يرافقه من فاعلياتٍ وندواتٍ وتجمّعاتٍ جماهيرية، أن يكون فاتحةً لحراكٍ، تبدو الأرضية جاهزة له، بعد فقدان أمل المصريين في تغيير أوضاعهم. وهو حراكٌ يمكن له أن يتمخّض عن تيارٍ معارض، مهمّته البحث عن سبيل لإنقاذ مصر من حكمٍ يقود إلى الانهيار.

وعلى الرغم من أن المعارضة ليست موجودة على الأرض في شكل كيانٍ سياسي واضح، إلا هنالك أشكالاً من المعارضة الموجودة عبر عدّة أحزاب جديدة، وعبر بعض الشخصيات السياسية، وما تبقّى من نقابات لم تُدجَّن ولم يدبّ الخوف في قلوبها، وكذلك عبر ما تبقّى من مؤسّسات المجتمع المدني، وكثير من المواقع الإخبارية المعارضة أو المستقلة على شبكة الإنترنت وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي. لهذا يمكن افتراض صعوبة قمع المعارضة المصرية إذا ما خلعت ثوب الخوف، لأنها تعرف أن النظام الذي يقمع معارضيه أو يسجن شخصاً لنشره تغريدة هو خائف بالضرورة، وخوفه ربما يمنعه من البطش المعمّم. وبين لحظة تخلّي المعارضة عن خوفها، واستمرار النظام بإظهار الخوف، يمكن أن تبدأ أولى جولات تحدّي هذا النظام في المعركة الطويلة نحو تغييره.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.