الانتخابات الليبية أمام لحظة الحقيقة
يبدو من مسار الاستعدادات للانتخابات الليبية أنها لا ترضي الأطراف كافة. وقبل أن تجرى هناك متضرّرون منها، وهناك مستفيدون. وهذا طبيعي في أي تجربةٍ يكون الاحتكام فيها إلى صناديق الاقتراع. سيكون هناك رابحون وخاسرون، وهذا أهم مظهر من مظاهر الديمقراطية. ولذلك شرط قبول اللعبة والدخول فيها هو احترام مجرياتها ونتائجها التي لن تحقّق مصالح جميع الأطراف على قدم المساواة نفسها. وفي أي أي انتخاباتٍ ديمقراطيةٍ، هناك طرف مستفيد أكثر من بقية الأطراف، هو الذي يحصل على الأكثرية. ولكن شريطة أن يتم ذلك على أساس احترام القانون، ورفض تزوير العملية الديمقراطية، وتوظيفها لتصبح أداةً بيد من يمتلكون السلطة والمال والنفوذ. وفي حالة ليبيا، يتطلب الأمر أن تجرى الانتخابات وفق أسسٍ وثوابت تعلي من القواسم المشتركة، أولها أن لا يتم السماح لمجرمي الحرب بترشيح أنفسهم. وينطبق الأمر ذاته على رجالات العهد البائد الذين قامت الثورة الليبية ضدهم، ومنهم سيف الإسلام القذافي، الشخصية التي قادت عمليات قمع وقتل للمتظاهرين السلميين، كما أنه من المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية. وليس من المنطقي والمقبول أن يكون من بين المترشحين لرئاسة ليبيا. ولنفترض أنه وصل إلى هذا المنصب بطريقة ما، فإن البلد سوف يعود إلى نزاع أكبر من الذي عرفه في الأعوام العشرة الماضية، وهذا يفترض أن تقتصر المشاركة على شخصياتٍ لا غبار عليها، وغير متورّطة بالقتل والفساد واثارة الانقسامات، وتحظى بتوافق الليبيين في مناطقهم كافة، وبكل حساسياتهم السياسية والقبلية والمناطقية. وقد يكون ذلك مطلبا مثاليا في هذا الوقت، ولكن مسار المسألة الليبية منذ بداية العام الحالي، برعاية الأمم المتحدة، يؤكد أن ليبيا توّاقة للخروج من النفق، وغنية بالخبرات والكفاءات القادرة على رسم طريق جديد، يتجاوز المصاعب الراهنة ويعالج مشكلات الماضي.
إجراء الانتخابات على مستوى البلاد مهمة وطنية في هذا الظرف، قبل أن تكون ميدان تنافس انتخابي، لأنها ستكون أول عملٍ توحيديٍّ شامل يجمع الليبين بعد عقد من الاختلافات والانقسامات والحروب، وستكون تمرينا مهما على التلاقي بين الجهات كافة، وأهم نتيجة لها غير منظورة حتى الآن أنها ستقبر مشاريع التقسيم التي كان يعمل من أجلها بعضهم. وهذا إنجاز إذا تحقق، فإنه وحده يكفي. وسيسجّل للذين عملوا من أجل الوصول إلى هذه اللحظة التي تستحق تضحياتٍ من الأطراف كافة، لكي تمر بأخف الأضرار. ومن الطبيعي أن تحاول قوى الماضي البحث عن مكان ودور لها، وعلاج ذلك إجراء الانتخابات على أسس ديمقراطية، تقطع الطريق على الذين لن يتوقفوا عن التخريب، من أجل بقاء ليبيا مشتتة من دون برلمانٍ يمثل وحدة الليبيين، وحكومة لكل اليلاد، ورئاسة قوية تسهر على حماية سيادة ليبيا ووحدتها واستعادة قرارها المستقل، وبسط سلطتها على كامل ترابها، بما يمكّنها من إخراج كل القوات الأجنبية الموجودة التي استفادت من حال الانقسام السابق، فوجدت لنفسها موطئ قدم. وفي اليوم الذي يتوافق الليبيون على هيئات منتحبة، تمثل كل البلد، ستجد القوى الأجنبية نفسها غير مرغوبٍ بها، وعليها أن ترحل.
الانتخابات أحد مفاتيح الحل الليبي. هي البداية، وأول تمرين على استعادة البلد من التمزّق وهدر الثروة الوطنية ورهن القرار الوطني، ومنها يبدأ الطريق الطويل لبناء ليبيا جديدة تقوم على تفاهم أهلها، ويجب الاعتراف بأن الشخصيات المرفوضة من أكثرية الليبيين، مثل سيف الإسلام وخليفة حفتر، تهدّد بتفجير العملية، وعرقلة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، وهو موعد قريب جدا، ما يفرض حسم النقاط الخلافية بسرعة، كي تسير العملية بسلاسة، وهذا يحتاج إلى تصميم ليبي ودعم دولي.