الاستعداد لكابوس عودة ترامب
إذا كانت أسوأ الكوابيس يمكن أن تتحقّق، فعلى هذا الأساس يصبح الاستعداد لاحتمال عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض خياراً لا بدّ منه. ويبدو أنّ هذا لسان حال مسؤولين كثيرين في العالم. ومنذ أسابيع، يُمكن رصد كيف أنّ عديداً من زيارات هؤلاء إلى الولايات المتّحدة يتضمّن لقاءات مع ترامب، بعدما حُسم أنّه المرشّح الجمهوري للسباق الرئاسي في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وإذا كان اللقاء بين ترامب ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يمكن وضعه في خانة لقاء الأصدقاء، الذين يتشاركون القناعات نفسها، فإنّ اجتماع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون بالرئيس الأميركي السابق يحمل دلالاتٍ أبعد.
ولأنّه لا يوجد مُستحيل في السياسة، وتحديداً الأميركية، فإنّ عودة ترامب بقدر ما هي سيئة في جميع الحسابات، هي مُحتملة. وما تقليص الفارق بينه وبين منافسه الديمقراطي جو بايدن إلى نقطة واحدة في أحدث الاستطلاعات إلا بمثابة مُؤشّر إلى حجم المنافسة المُنتظرة، التي قد لا تُحسم إلا في آخر دقيقة، لتكون بعدها البلاد أمام سيناريوهات عدّة، خصوصاً إذا ما قادت النتائج إلى خسارة جديدة لترامب. أما في حال عودته إلى البيت الأبيض فستكون الصورة أوضح، إذ جهّز الرئيس السابق تصوراته للحكم مجدّداً.
أجرت مجلة تايم مقابلة موسّعة معه، على مرحلتين؛ وجهاً لوجه ثم استُكمِلَتْ عبر الهاتف، ونُشرت قبل أيام. بين الأسئلة والأجوبة هناك 16 ألف كلمة، تكفي لاستخلاص ما يريده ترامب في 2025 وما بعدها، على الصعيدين الداخلي والخارجي. وليس مفاجئاً أن تستحوذ رؤيته لأزمة المهاجرين على الجزء الأول من الحوار، وتتشعّب للتحدّث بصوت عالٍ عن رؤيته لإشراك الجيش والحرس الوطني والشرطة في تنفيذ خطّته، لكن ما يمكن التوقّف عنده مثلاً، ما يتعلق برغبته في إعطاء عناصر الشرطة حصانة قانونية من الملاحقة القضائية، بذريعة حمايتهم لضمان تدخّلهم في الأحداث المُهمّة، وأن تُعاد إلى الشرطةِ "السلطة والاحترام الذي تستحقّه".
أما خارجياً، فلم يحدّ ترامب من تصوير نفسه أفضلَ صديقٍ ومدافع عن إسرائيل، مذكّراً بكلّ ما بذله لأجلها خلال فترة ولايته، من إبطال الاتفاق النووي مع إيران، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المُحتلّ، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلّة، من دون أن يمنعه ذلك من توجيه انتقاداتٍ لبنيامين نتنياهو، ليس بسبب جرائمه في قطاع غزّة، بل بسبب تجربته السيئة معه، مذكّراً بما قاله سابقاً عن تراجع "بيبي" في آخر لحظة عن المشاركة في اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في بغداد مطلع عام 2020. وليس مستغرباً أن يُعبّر ترامب صراحة عن عدم اقتناعه حالياً بفكرة حلّ الدولتين بعد أن "مرّ وقت اعتقدت أنّ حلّ الدولتين يمكن أن ينجح"، بغضّ النظر عن قائمة الأكاذيب التي استحضرها لتبرير ذلك، وإعفاء الاحتلال من أيّ مسؤولية.
وإذا كان المُشترك في محاور المقابلة تصوير بايدن رجلَ دولةٍ ضعيفاً على الصعيدين الداخلي والخارجي، فإنّ ترامب حرص، في المقابل، على وضع نفسه في خانة من يتولى إنجاز المهمّات الصعبة، سواء في العلاقة مع روسيا – فلاديمير بوتين أو مع حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مصرّاً على مقاربة هذا الملفّ من بوابة أن تزيد دول الـ"ناتو" مساهماتها المالية إذا ما أرادت استمرار الدور الأميركي، ليس انطلاقاً من قاعدة أنّ من يدفع يحظى بالحماية فقط، بل من قناعةٍ بأنّ لا فائدة للولايات المتّحدة من الحلف، لأنّها إذا تعرّضت للهجوم فلن يكون "ناتو" موجوداً للدفاع عنها.
تقود مُجمل الفِكَرِ التي عبّر عنها ترامب في المقابلة، والتي أعقبها تقرير لاحق من "تايم" أخضع معظم الأرقام والأفكار الرئيسية، التي تحدّث عنها ترامب، لكشف حقائق وفنّد كلّ التضليل الذي مارسه خلالها، إلى استنتاج وحيد، وهو أنّ بقاءه بعيداً عن البيت الأبيض فيه أقلّ الضرر مقارنة بالرئيس الديمقراطي الحالي.