الابتزاز الإيراني

18 مارس 2022
+ الخط -

توحي التصريحات الإيرانية والغربية بأن إحياء الاتفاق النووي مع إيران يقترب أكثر من أي وقت مضى، لكنه، في الوقت نفسه، قد ينهار في أي دقيقة. وبقدر ما توجد لدى الطرفين إرادة بالعودة إلى الاتفاق بقدر ما يرغبان بتحقيق أكبر المكاسب منه. وهنا تحديداً، تكمن الحسابات المتناقضة التي تبقي الخيارين قائمين وحظوظهما متساوية حتى اللحظة الأخيرة.

يرهن الطرفان إتمام العودة بـ"خطوط حمراء" تقول طهران إنها لن تقبل المساس بها، ويصرّ الغرب على إحداث "اختراقٍ" بشأنها. ويتعلق الحديث تحديداً بأنشطة إيران في المنطقة. وفقاً لأحدث التسريبات، تربط الإدارة الأميركية رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب بالتزام إيراني بخفض التصعيد في المنطقة فقط، حتى أن التطرّق إلى برنامج الصواريخ البالستية تراجع. لكن الرفض الإيراني لتقديم هذا التعهد يعني أن طهران تريد أن تحصل على كل شيء، عودة واشنطن إلى الاتفاق، رفع العقوبات، تدفق الأموال، حل المشكلات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طمس التحقيقات في ملف الأنشطة النووية غير المعلنة، لكنها، في المقابل، لا تريد تقديم أي تنازلات. والأهم أنها تصرّ على أنها الضحية، ولا تتحمّل أي مسؤولية في تعطيل إحياء الاتفاق.

تجيد إيران لعبة البروباغندا إلى حدودها القصوى، تطوّع الحقائق والوقائع كما تريد، ليس بالضرورة على لسان مسؤوليها فقط، فمروحة الأدوات المتاحة لها واسعة. يردّد السياسيون الإيرانيون أن المسؤولية في إحياء الاتفاق تقع على عاتق واشنطن، لا طهران، وتُتَّهم الأولى بأنها أضافت مطالب لا صلة لها بالاتفاق. وعندما برزت مسألة الضمانات الروسية بعد العقوبات التي فرضت على موسكو بسبب غزو أوكرانيا، اختارت طهران إيصال رسائل متناقضة بشأن موقفها من هذه الضمانات، وقللت من أهمية تأثيرها على مسار المفاوضات، قبل أن تضطر للاعتراف بأنها لن تستطيع تجاوز ما تريده روسيا، وتوفد وزير خارجيتها إلى موسكو.

وحتى عندما أبرمت طهران صفقةً مع لندن للإفراج عن الصحافية البريطانية الإيرانية نازنين زاغري، صوّرت وسائل إعلامها الأمر انتصاراً، مروّجة تمكّنها من الحصول على أكثر من 500 مليون دولار نقداً، قبل أن يتبين أنها وضعت في حساب خاص لشراء سلع. لكن الأهم الذي جرى حجبه كيف أن طهران حوّلت زاغري، كما غيرها من أصحاب الجنسية المزدوجة، إلى رهائن لابتزاز الغرب ومساومته بهم.

وقضية زاغري، التي كانت معتقلة منذ 2016، كاشفة إلى أبعد حدود عن منطق الابتزاز الإيراني هذا، بدءاً من التهم التي وجهت إليها أولاً، والتي تضمّنت "بث دعايات مغرضة للنظام والتعاون مع مؤسسات إعلامية للقيام بمشاريع تثير الشكوك"، ثم الحكم عليها بالسجن بتهمة التجسّس، لكن الفصل الأكثر تمادياً تمثل في أنه بعد انتهاء محكوميتها أضيف عام آخر لحكمها بتهمة جديدة فقط من أجل الإبقاء عليها رهينةً لانتهاء المفاوضات مع بريطانيا بشأن الأموال.

يتكرّر المنطق نفسه. تريد إيران إبقاء مصير المنطقة رهينة لديها. وبرفضها حتى الآن الالتزام بخفض التصعيد، تقول عملياً إن سياساتها في المنطقة لن تتغير. تختار وحدها الإبقاء على التهدئة أو تفجير الوضع، بحسب ما تقتضيه مصالحها السياسية أو الأمنية. ويمكن توقع توترات إضافية لأن إيران، في حال العودة إلى الاتفاق من دون أي تنازلاتٍ في هذا الملف ستكون قد حققت كل ما تريده في مواجهتها مع الغرب، وانتقلت إلى مرحلة التفرّغ لتوسيع هيمنتها وحصد "المكاسب"، معتمدة على أذرعها ووكلائها ومليشياتها الموزعة في أكثر من دولة. ويمكن تصور كيف سينعكس ذلك في البلدان التي تحتل فيها نفوذاً، من اليمن، إلى لبنان، وسورية والعراق.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.