الأميركيون والسباق الثلاثي

11 نوفمبر 2023

(Getty)

+ الخط -

أوحى الأميركيون، في الأسبوع الرابع من العدوان الإسرائيلي على غزّة، وكأنهم أطلقوا سباقاً مثلثاً، بدءاً من دخولهم العام الانتخابي، وهو الأهم في الداخل الأميركي، مروراً بارتفاع نبرتهم تجاه اعتماد "هدنة إنسانية" في غزّة وتكرارهم طرح الحل على قاعدة "حلّ الدولتين"، وصولاً إلى تجميد الحرب الروسية على أوكرانيا بالتزامن مع بدء موسم الشتاء هناك حتى الربيع المقبل، في مقابل تهدئة على الجبهة الصينية، مع ندرة عبور السفن الحربية الأميركية مضيق تايوان. وفي السباق الثلاثي، تتشابك مصالح الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، في واشنطن، مما لا يحسم هوية الرئيس المقبل.

في شأن الانتخابات الرئاسية، لا يمكن الحديث عن انتصارٍ مضمون، لا للرئيس الحالي جو بايدن، ولا السابق دونالد ترامب، ذلك لأن الإشكالات المتعلقة بعجز الأول عن فرض نفسه في الصفوف الديمقراطية، رغم غياب المنافس الجدّي، وعجز الثاني عن الخروج من مآزقه القضائية، رغم سحقه كل خصومه في المعسكر الجمهوري، استولد نقاشاتٍ في واشنطن، عن محدودية الخيارات المتاحة للناخب الأميركي. ولعلّ منطق "الغياب عن التصويت" قد يكون الأقدر على فرض نفسه، بعد أربع سنوات على مشاركة تاريخية للناخبين، تجاوزت الـ155 مليون مقترع.

في ملفّ غزّة، ومع أن الولايات المتحدة تدعم، بلا لبسٍ، العدوان الإسرائيلي على القطاع، إلا أن تشديدها، وبوتيرة متصاعدة، على ضرورة العمل بالهدن الإنسانية الموقّتة، مع رفض خيار وقف إطلاق النار، وانخراطها في محادثات إقليمية لتشكيل استراتيجية "اليوم التالي"، يشير إلى أنها باشرت خطوات لتأمين تهدئة ميدانية. وتستولد هذه الخطوة الأميركية سباقاً مقابلاً لدى الاحتلال الإسرائيلي، لتحقيق "إنجاز" ما في غزّة، قبل أي تفكير بوقف دائم لإطلاق النار.

أما في ملف أوكرانيا، فإن التجميد الأميركي للقتال، ضمنياً، بفعل واقع طبيعي يفرضه الشتاء القارس في تلك المنطقة من أوروبا الشرقية، يسمح في كسب الوقت لتحوّل الطيارين الأوكرانيين إلى استخدام طائرات "أف 16" اعتباراً من الربيع المقبل. لا يريد الأميركيون خلال ذلك أن يحقق الروس انتصاراتٍ ميدانية، وأيضاً يعملون بدأب على إقناع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بإجراء الانتخابات الرئاسية في كييف، المقرّرة دستورياً في الربيع أيضاً. في حساباتهم، أن تلاقي إتمام الاستحقاق الرئاسي، مع اكتساب القوات الأوكرانية التدريب اللازم لاستخدام الطائرات العسكرية الأميركية، سيسمح في فرض واقع مغاير عن الصيف المخيّب للآمال أوكرانياً. غير أن كييف، كما موسكو، تشهد صراعات داخلية بدأت تقفز إلى العلن، قد تُشكّل نكسةً لفكرة تحرير الأراضي، بما فيها شبه جزيرة القرم، برمّتها.

في هذا السباق الذي تقوده الإدارة الأميركية وفق سرعات متفاوتة، تبدو الغاية من النتيجة واحدة: الوصول إلى رئاسيات 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وفي جعبة بايدن أوراق رابحة: إتمام سلام في غزّة بأي شكل كان، وإنجاح المحاولات الأوكرانية لدفع الروس خارج البلاد بأي ثمن كان، والفوز بالرئاسيات لولاية ثانية وأيضاً بأي ثمن كان.

غير أن لكل سباق حسابات قد تندرج في سياق المصادفات، أو التخطيط المضاد. وفي حالة بايدن، قد تودي أي كبوة في تلك السباقات به إلى هلاكٍ انتخابي، لا له فحسب، بل للحزب الديمقراطي. يعود ذلك إلى أن بايدن دخل في الأساس إلى البيت الأبيض، وهو موسوم بمسحة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولم يتمكّن، في أحيانٍ كثيرة، من الخروج من ظلاله. كما أنه واصل العمل بما بدأه ترامب، سواء حيال الملف النووي الإيراني، أو في العلاقة مع الصين. في حقل الألغام هذا، لم ينجح بايدن في رسم خريطة طريق واضحة له، كما أظهر ارتباكاً سياسياً لم تعتده واشنطن بهذه الكثافة سابقاً. وهو ما يجعل السباق الثلاثي محفوفاً بالمخاطر للرئيس الأميركي، لأن أي خطاً بسيط سيطيحه من هذا السباق. الأهم أن الأميركيين لا يتحمّلون ملفاً جديداً قد يطرأ خلال ذلك العام، وإلا فستكون ضربة قاضية.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".