الأسد لا يمزح

03 يونيو 2014
+ الخط -
رحم الله عبد السلام النابلسي وإسماعيل ياسين وماري منيب وياسين بقوش. كانوا باهرين في التمثيل الهزلي. يُساء إليهم كثيراً منذ أيام، وبإفراطٍ مدان، في غضون الكلام الغزير، والراهن والمتواصل، عن الانتخابات الرئاسية السورية بالزعم أنها مسرحية هزلية، فيما هي فعل جاد تماماً، إذ يؤكد فيها بشار الأسد حقيقةً أهم من حكاية التصويت والاقتراع، وما إلى ذلك من لوازم الانتخابات، موجزها أن في وسعه أن يفعل ما يشاء، ومتى شاء، فلا أحد يجوز أن يمنعه، إن أراد قتل من أراد قتلهم، بالسارين طورا وبالبراميل المتفجرة طورا وبالرصاص طورا، وإن أراد أن يؤتى بسوريين، في طوابير في بيروت أو دمشق، مثلا، لتصورهم كاميراتٌ صديقة، وهم يمحضونه حباً، ويولّونه رئيساً مرة جديدة، ولا مدعاة لفحص ما إذا كان هذا الحب نفاقاً أو عارضاً أو طبعا أصيلاً. لا مطرح لوجع الرأس بهذه التفاصيل، فما يهم هو مراد الرئيس، أي حدوث هذا الطقس، كما لو أن شيئا لا يحدث.

عجيبٌ تمييز واقعة اليوم عن سابقاتها من مواسم التصويت والمبايعات الدورية لحافظ الأسد ونجله، والتي لم تتوقف منذ أزيد من أربعين عاماً، بأنها مسرحية هزلية، لا لشيء إلا لأن خراباً عظيماً صار في سورية، وأن نحو مليون من أهلها قضوا وأصيبوا واعتقلوا، وأضعافهم هربوا نازحين ومشردين ومهجرين ولاجئين. لم نقع في أداء عبد السلام النابلسي على مثل هذه الجوائح شروطاً للهزل، ولا بان في أفلام إسماعيل ياسين لزوم شيء من هذا التمويت والتدمير ليصير الهزل هزلاً. كان الراحلان الكبيران، وأترابهما، يبعثون البهجة والإمتاع، بظرفهم وسجيتهم، فيما الذي تفعله الصواريخ والقذائف والبراميل على بيوت السوريين ومخابزهم وكنائسهم ومدارسهم ومساجدهم يستنفر الأسى والحزن، وهذان شعوران جادان، لا يليق أن نبخسهما، وإن تخللت القتل والتهديم النشطيْن نوبة انتخابات من الصنيع الذي يفضّله بشار الأسد.

في البال أن نبيل العربي (هل يتذكره أحد؟)، إبّان رصاص ماهر الأسد على المتظاهرين السوريين في حماة ودرعا وإدلب، في الصيف الأول لثورتهم، طرح مبادرةً لحل ما استعجل في حينه تسميتها أَزمة، لسنا على مقادير كافية من الحماقة لنتذكّر بنودها، لكن الظريف فيها، ولا ننساه، أنها تضمنت عدم ترشح بشار الأسد في انتخابات الرئاسة في العام 2014. يومها، لم يوفّره كاتب هذه السطور، وزملاء له عديدون في الجرائد العربية، من الانتقاد والتجرؤ عليه، رميناه باتهاماتٍ ثقيلة، من قبيل استخفافه بعقولنا. أما وقد حصحص الحق، الآن، فقد كان أمين عام جامعة الدول العربية كمن يؤدي دوراً هزلياً في فيلمٍ أو مسرحية، فيما فخامة الرئيس الأسد حافظَ على رباطة الجأش المعهودة فيه، ولم يكترث لمزحة نبيل العربي وتخريفه، لأنه رجل جاد، يعرف أنه كما لصناديق الرصاص وظيفتها، فإن لصناديق الاقتراع وظيفتها.

هي دعوة، هنا، إلى التوقف عن الإساءة إلى ماري منيب وعبد السلام النابلسي وأمين هنيدي وياسين بقوش وفهد كعيكاتي وإسماعيل ياسين، وغيرهم، ممن أرسوا  للهزل حضوره المكين بين فنون الأداء والتشخيص. هم أهل فرح ومتعة ووداعة، فيما بشار الأسد ليس من جبلتهم، مهنته الفتك بالناس، واعتقال سورية في قيعان الخراب الفسيح. هم صناع للضحك، فيما انتخاباته، (مع الاعتذار عن هذه التسمية) اليوم محزنة جدا، ومدمرة للوجدان. إنه (يخوضها؟) بتصميم، وبقرار جاد،  لم يكن يمزح عندما سنّه، ثم مضى في تنفيذه. وطالما أن باراك أوباما وديفيد كاميرون، على الأقل، أجازا له ما يدأب عليه شبيحته وعصاباته وعساكره،  فلم لا يبادر إلى تنظيم عرس ديمقراطي، من طراز جديد ومستجد هذه المرة، على رؤوس الأشهاد والأموات.       

       

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.