الأردن وفخ كورونا والكلفة الباهظة
يعيش أغلب الأردنيين اليوم في حالة ظلام عميق والشك جرّاء الارتفاع الكبير في معدل المصابين بفيروس كورونا، خلال الأسابيع الأخيرة، وقد تخطى أحياناً حاجز الستة آلاف إصابة، والأعداد الكبيرة لمعدل الوفيات اليومية، وقد اقتربت في بعض الأحيان من 90 وفاة بسبب الفيروس.
في مثل هذه الظروف الحرجة، ومع حالة القلق والرعب لدى ناسٍ كثيرين، تكمن كلمة السرّ في التكاتف الوطني والشفافية والثقة على مستويين رئيسين: العلاقة بين الدولة والمجتمع، والعلاقة المجتمعية بين المواطنين أنفسهم. إلا أنّ ما يتوازى مع خطورة الفيروس لجوء أطراف عديدة، من مسؤولين ومواطنين ونخب، إلى لعبة التلاوم، وتبادل التهم بالمسؤولية عن هذا التردّي، وهي لعبةٌ رديئةٌ تضرب الروح المعنوية والوطنية العامة، وتُحدث حالةً من التشظي والانشطار الداخلي!
في الأثناء، كانت لافتة إشارة الملك عبدالله الثاني، في مجلس الأمن الوطني، إلى رفض مبدأ الفزعة (الارتجالية الدائمة في التخطيط) في التعامل مع الوباء، وضرورة العمل بروح الفريق الواحد وبسيادة القانون. وجاء حديث الملك بعد يومين على الانتخابات النيابية التي عزّزت قناعة المواطن بوجود خلل كبير في التخطيط والسيناريوهات، فعلى الرغم من المخاوف الكبيرة من أن تؤدي (الانتخابات) إلى ارتفاع كبير في معدلات الإصابة بسبب العادات الاجتماعية في الاحتفالات للمرشحين الفائزين، انتظرت الحكومة يوماً كاملاً وتركت الآلاف في الشوارع يحتفلون، على الرغم من حظر التجول، حتى ضجّت مواقع التواصل بخطورة الأوضاع، وتدخل الملك، ثم تحرّك جميع المسؤولين!
المفارقة أنّه لم تمض شهور قليلة على اعتبار الأردن من الدول المميزة في القدرة على احتواء حجم الإصابات في الفيروس وتقليلها، لتنقلب الأمور رأساً على عقب، فيصبح الأردن من أعلى الدول في نسبة الإصابات والوفيات، مقارنةً بعدد السكّان، وقد فجّر الوزير السابق وعضو لجنة الأوبئة سابقاً، عزمي محافظة، قنبلة كبيرة، عندما قدّر أعداد الأردنيين المصابين بكورونا بحدود مليون.
الأدهى والأمرّ أنّ الوضع الوبائي يترافق مع أزمة اقتصادية ومالية خانقة وكبيرة، على الصعيدين، الوطني والاجتماعي، فعمليات الإغلاق وحظر التجوّل والتعليمات والبروتوكولات الصحيّة أضرّت بشريحةٍ اجتماعيةٍ عريضة من المواطنين، مالياً واقتصادياً، كما أنّها رفعت معدّلات البطالة إلى درجةٍ قياسية، ويُتوقّع أن يرتفع العدد بدرجةٍ أكبر بكثير مع العام المقبل، ما يعني أنّنا أمام تداعياتٍ اجتماعيةٍ وأمنيةٍ وسياسيةٍ واقتصاديةٍ لا تقل خطورة عن تلك الصحية!
بالضرورة، لا توجد هنالك نظرية عالمية محكمة للتعامل مع الفيروس، يمكن الاستعانة بها، وتمثّل نموذجاً إرشادياً حاسماً. وفي المقابل، فرض الاستمرار في التردد والارتباك وعدم وضوح المعايير التي تحكم السياسات وضعف قنوات الاتصال والتواصل نفسه على المناخ العام في البلاد، وأدى إلى حالةٍ من القلق الشديد في أوساط الرأي العام، ليس فقط بسبب الوباء، بل للشعور بأنّه لا توجد خطة محكمة طويلة المدى، ولا رؤية استراتيجية تحكم تعامل الدولة مع الوباء وتداعياته.
بالنتيجة وخلال فترة محدودة نسبياً، يمكن القول إنّ النتائج السلبية للفيروس والحالة الوبائية ارتفعت كلفتها إلى درجة عالية جداً وكبيرة للغاية، على المستويات المختلفة؛ صحياً واقتصادياً وحتى سياسياً ونفسياً. وفي خلفية ذلك سؤال مهم جداً عن الثمن السياسي، وعن مدى الثقة والمصداقية في علاقة المواطن بمؤسسات الدولة والحكومات، فبعد أن ارتفعت شعبية الحكومة السابقة بصورةٍ غير مسبوقة، بعد أشهر قليلة من التعامل مع الوباء حينها، بسبب الأعداد القليلة من المصابين، انهارت (الثقة) أخيرا بدرجة كبيرة، وعادت حالة الريبة لتتسيّد الموقف في المشهد العام، وبدا ما كان في البداية إنجازاً وكأنّه خسائر اقتصادية فادحة بلا مقابل، إذ وقع الأردن في فخ الوباء، ولم ينج منه.
من يكون في موقع المسؤولية لا بد أن يخطئ، وأن يصحح خطأه، لكن المطلوب اليوم الخروج من لعبة التلاوم وتبادل الاتهام على المستويات كافّة، والالتفات إلى أهمية الشراكة الوطنية، وإشراك الجميع لاتخاذ قراراتٍ حيويةٍ واستراتيجيةٍ تحظى بإدراك مجتمعي عريض.