الأردن: إيران ومطار رامون وحكومة الخصاونة
أكثر من وصفها بأزماتٍ متوالية، تواجه حكومة بشر الخصاونة التي تشكّلت في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وهي الحكومة رقم 102 في تاريخ الأردن، يقودها شاب دبلوماسي وقانوني من عائلة مسيّسة، نَظر إليه كثيرون بأنه سيواجه جملة من بقايا التحدّيات التي أثقلت كاهل سلفه عمر الرزاز، بيد أنها تحدّيات استمرّت معه، برغم كل محاولاته تحصين حكومته بمناعة الرحيل المبكر، مستفيدا من قناعاتٍ متولدة لدى الملك عبد الله الثاني بوجوب إتمام المُدد للحكومات وإعطائها فرصة الإنجاز، ومنحها التعديلات الضرورية على الطاقم الحكومي، وتجنّب خيار الرحيل المبكر، واليوم يشاع أن الرئيس طلب إعادة تكليف وليس التعديل، وأنه لم يلق الضوء الأخضر على ذلك.
وبلافتة عنوانها "حكومة التعافي" من أزمة وباء كورونا، يتمترس الخصاونة في الدوار الرابع (مقرّ الحكومة الأردنية)، مشهرًا للجميع أن لا حسابات عنده، ولا أهداف مبالغ بها، ولا وعود طائشة، ولا خصومات مع رؤوس المطبخ السياسي التي كان عليه أن يعرف معاني غضبها أو اتحاد عدم رضاها على أي رئيس، وهو القادم من مكتب الملك، والمطل، بحكم موقعه السابق، على موقعه اللاحق رئيس حكومة، وهو ما وفرّ له فرصة أخذ حسابات البقاء وفهمها، برغم أن المتحقّق من عمل حكومته أهداف متواضعة برأي بعضهم، لكن المهم فيها العمل على تنشيط حركة السوق واستعادة العافية للسياحة ومحاولة معالجة الاستثمار في البلد، وهو المؤمن بفكرة رفع القيود عن المستثمرين، والمتأثر بالتجربة المصرية كثيراً، لكن نياته وطموحاته تصطدم كثيرًا ببعض الممانعات.
لم يلجأ الخصاونة إلى افتعال معارك محليّة مع رفاق الحكم والسياسة، ولم يأبه لما تقوله استطلاعات الرأي بحكومته
لم يلجأ الخصاونة إلى افتعال معارك محليّة مع رفاق الحكم والسياسة، ولم يأبه لما تقوله استطلاعات الرأي بحكومته، فالأخيرة لديها في الأردن اليوم ما تنشغل به وهو الاستجابة للتحديث السياسي وتحزيب الناس بأحزاب برامجية، ولكن الخصاونة دخل بهجمتين، واحدة مرتدّة بعد تصريحاتٍ للملك عبد الله عن العلاقة مع إيران. وكانت في مقابلة له مع قناة "بي بي سي" في يوليو/ تموز الماضي، وقال فيها :"المملكة لم تتعامل يوماً مع طهران على أنها تهديد للأمن الإقليمي الأردني". وجاء هذا التصريح بعد أن استقر في الخطاب السياسي الملكي الأردني أن إيران مهدّد للمنطقة واستقرارها وكان مصطلح الهلال الشيعي أولها. لكن ما الذي ألجأ الخصاونة للظهور بتلك المقابلة ومخالفة كل شواخص المرور الأردنية في الطريق بين عمّان وطهران؟
ربما يكون الجواب في أنّ الخصاونة أراد ان يكون لاعب دفاع في التخفيف من الجدل الذي رافق حديثا منسوبا للملك عبد الله عن تشكيل "ناتو عربي"، وهو كلامٌ لم يقله الملك، لكن الخصاونة تلقى إشاراتٍ بضرورة التحليق فوق المجالين، السوري والعراقي، بتصريح دبلوماسي، وإرسال رسالة اطمئنان لإيران التي تنفرد اليوم في المجالين، العراقي والسوري، بعد الانشغال الروسي في أوكرانيا، وبعدما لم تنجح الورقة الأردنية تجاه سورية، والتي قدمت للبيت الأبيض، وبعدما زادت تعدّيات المليشيات السورية الإيرانية وعمليات تهريب المخدّرات على الحدود الأردنية السورية التي أعلنت عمّان عن تغييرات جذرية فيها منذ فبراير/ شباط 2022.
الهجمة الأخرى التي استعاد في الخصاونة حضوره، الموقف من مطار رامون الإسرائيلي، وتعامل السلطة الفلسطينية معه، والغضب أو التحرّك الذي مارسه الأردن بإظهار أكثر من صوت عتب أردني على السلطة، وصل إلى حدّ ظهور وزير الإعلام الأسبق، سميح المعايطة، عبر ببرنامج محلي، معبرًا فيه عن خيبة أردنية من موقف السلطة، ما أدّى إلى مجيء رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتيه، إلى عمّان، والتفاهم مع الخصاونة على المسألة باعتبارها شأنا مشتركا وفي عمق العلاقات المشتركة تاريخيا، وهو أمر إعادة الحضور لملف العلاقات الأردنية الفلسطينية من زاوية مخرجات فكرة صفقة القرن التي أعلن الأردن مرارا أنه ضدّها، وأكدها الخصاونة. وفي المشهد الأخير، جاءت زيارة وزير النقل الفلسطيني عمّان ولقائه وزيري الداخلية والنقل، والتأكيد على وقف مشترك في رفض مطار رامون وسفر الفلسطينيين وتسفيرهم منه.
في مقابل جدل مطار رامون، كان على حكومة الخصاونة أن تتحرّك نحو تصويب أوضاع جسر الملك حسين الرابط بين الأردن وفلسطين
في مقابل جدل مطار رامون، كان على حكومة الخصاونة أن تتحرّك نحو تصويب أوضاع جسر الملك حسين الرابط بين الأردن وفلسطين، والذي يسافر منه مواطنو السلطة الفلسطينية، وهو اكتشاف متأخر لصورة غير لائقة للأردن وفلسطين وعلاقاتهما، والحرص الذي أبداه الطرفان على استعمال الجسر، فالخدمات المقدّمة للمسافرين والبنية التحتية وظروف النقل غير مقبولة، والتأخر في العبور، كلها أمور بات من المهم معالجتها، ويجب أن يتحول هذا الجسر إلى ميناء برّي كبير ولائق، خصوصا أنه يوفر دخلا للأردن، وهو وجهة خروج مفضّلة لعموم الفلسطينيين.
أعاد جدل الجسور أهميتها بالنسبة للأردن الذي يراها وسيلة مهمة لصلاته وعلاقاته مع السلطة الوطنية والفلسطينيين عموما، وأعاد بالنسبة للفلسطينيين قضية السفر المتعب وحقهم في سفر مريح وخال من التعقيدات الأمنية، ويوفر الخدمات اللائقة للواجهة الأردنية التي أقرّت بضرورة تحسين الظروف بكلفة تزيد عن 150 مليون دينار، في الوقت نفسه، اعتبر رئيس الحكومة بشر الخصاونة المسألة مصيرية ومتعلقة بالجهد الأردني والدعم الملكي الهاشمي القضية الفلسطينية.
كلّ هذه الظرفية تستفيد منها حكومة الخصاونة، باعتبارها تعالج مسألة سياسية مهمة مع الاحتلال ومسألة وظيفية ووطنية بالنسبة للأردن مع فلسطين، وهذا ما قد يساهم بإطالة عمرها، لكون أي بديل قادم مطلوباً منه التعامل مع ملفات محلية بحتة، من دون تكرار التحليق المماثل للخصاونة بشأن المسألة الإيرانية، والذي اعتبر أمراً لافتا ولم يحقق أي قيمة، بل عدّه بعضهم انعطافة غير مفهومة في الدور التاريخي للأردن المحذر دومًا من انفجار المنطقة بسبب تدخلات إيران فيها، وهو ما عبّرت عنه أحداث العراق أخيرا.