اقتتال الضحايا

30 يوليو 2022
+ الخط -

تنجح بعض الحكومات، العربية وغير العربية، في إيجاد شمّاعةٍ لتعلق عليها إخفاقاتها المتتالية، الاقتصادية تحديداً، وإقناع الشعب بأن هذه هي الحقيقة المطلقة للوضع الكارثي الذي وصلت إليه البلاد، غير آبهةٍ بأي من العواقب التي يمكن أن تنتج عن مثل هذا التوجه، ما يمكن أن يهدّد السلم الأهلي في هذا البلد أو ذاك، أو يطلق العنان لتصرّفاتٍ عنصرية من الممكن أن تتطوّر إلى حوادث أمنية لا تحمد عقباها.

يمكن وضع لبنان وتركيا كنموذجين مثاليين لما تقدم عليه السلطات المحلية لتبرير عجزها عن تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة للمواطنين. ففي لبنان، دأبت حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها نجيب ميقاتي على وضع مشكلات البلاد كافة على عاتق اللاجئين السوريين الذين هربوا من آلة القتل الفاعلة في بلادهم، وما اختاروا لبنان إلا لعجزهم عن الفرار إلى مناطق أكثر أمناً. ورقة اللاجئين السوريين كانت الحكومة، ولا تزال، تستخدمها لابتزاز الغرب ونيل المساعدات، علماً أن المساعدات تصل من الأمم المتحدة إلى هؤلاء اللاجئين المسجّلين لدى المنظمة الدولية، وهي ساهمت، إلى حد كبير، في منع الانهيار الكلي للاقتصاد اللبناني، إذ يتسلم هؤلاء اللاجئون مساعدات دولية بالدولار الأميركي، ويصرفونها في البلد، أو على الأقل معظمها، وهو ما ساهم في ضخّ عملةٍ صعبةٍ في دولة على شفير الإفلاس، غير أن الحكومة ومسؤوليها يطمسون هذه الحقيقة، ويواصلون اللعب على ورقة اللاجئين، وها هم يستخدمونها اليوم لإلهاء المواطنين اللبنانيين، وتحديداً أولئك المدججين بالعنصرية، وهم كثر، لتتنصل الدولة من مسؤوليتها وواجباتها.

لبنان اليوم يعيش أزمة قمح، مثله مثل سائر دول العالم التي تأثرت بالحرب الروسية على أوكرانيا وانعكاساتها على تصدير الحبوب إلى الأسواق العالمية. غير أن العجز المالي للدولة اللبنانية، وكمية الفساد المستشرية في ثنايا مؤسساتها الحكومية والخاصة، فاقما من هذه الأزمة حتى انقطع الخبز من الأسواق، وتكدس المواطنون على أبواب الأفران لمحاولة تأمين هذه المادة الحيوية. أمام هذا الواقع، لم يجد المسؤولون اللبنانيون غير اللاجئين السوريين لتحميلهم مسؤولية هذه الأزمة، باعتبارهم "يزاحمون اللبنانيين على لقمة الخبز". الأمر الذي تلقفه لبنانيون كثيرون، وأطلقوا العنان لعنصريتهم تجاه أي لاجئ سوري يحاول الحصول على كسرة خبز مثله مثل أي إنسان طبيعي. مشاهد كثير حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي لمنع بعض اللبنانيين لاجئين سوريين من الحصول على الخبز، أو ضرب آخرين يحملون ربطة خبز، حتى تحول الأمر إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وبدأنا نرى سقوط قتلى وجرحى في بعض الإشكالات، تحت أنظار الدولة ومؤسساتها، التي تنصلت من أي مسؤولية لها في الأزمة.

الأمر نفسه في تركيا، التي تشهد موجة عنصرية غير مسبوقة تجاه اللاجئين السوريين، أو كل من يحمل ملامح عربية، حتى لو كان أجنبياً. ومن المعلوم أن تركيا اليوم تشهد أزمة اقتصادية خانقة، هي نتاج سياسات اقتصادية خاطئة لا علاقة للاجئين السوريين بها، لا سيما أن هؤلاء اللاجئين موجودون في البلاد منذ نحو عشرة أعوام، وأيضاً يساهمون في دعم الاقتصاد المحلي، ليس فقط بالمؤسسات الاقتصادية التي افتتحوها، بل أيضاً بأموال الدعم من الاتحاد الأوروبي التي تقدم لتركيا نظير استضافتها أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري. لكن أيضاً، تعمد الحكومة إلى تجاهل هذا الواقع، وتغضّ الطرف عن التجييش العنصري الذي تقوم به أحزاب المعارضة اليمينية ضد اللاجئين السوريين، والذي تحول إلى مشاهد معارك وقتل في الشوارع، وبات أيضاً على وشك التحول إلى حرب أهلية.

السلم الأهلي بالنسبة إلى الحكومتين، اللبنانية والتركية، غير مهم، طالما أن هناك شمّاعة يمكن أن تعلّق عليها الأخطاء، وطالما أن هاتين السلطتين نجحتا في تحويل الغضب الموجه ضدهما إلى صراع داخلي بين مكونين هما ضحيتا هذه السلطات وغيرها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".