25 اغسطس 2024
اضرب ابنك ليكون لاجئاً صالحاً
قال لي العم أبو كنعان إن المربين في البلاد الاستعمارية لا يفهمون ألف باء التربية، وهم يرتكبون خطأ جسيماً حينما يُعَلِّمون أبناءهم الشجاعة، والاعتداد بالنفس، والدفاع عن حقوقهم في وجه مَنْ يريدون اضطهادهم، حتى ولو كان المضطهِدون آباءهم وأمهاتهم وإخوتهم..
ونحن، إذا أردنا أن نكون منصفين، نقول إن الاستعماريين أحرارٌ بأولادهم، ولكنهم، للأسف، أصبحوا يتطاولون علينا، وعلى أبنائنا، وقد حصل أكثر من مرة في بعض الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا، أنْ تدخلت الشرطة لمصلحة أطفال من أبناء اللاجئين حينما يكتشفون أن أهاليهم يضربونهم بالأحذية، أو كما نقول نحن، بالصرامي، وتأخذ الأولاد من أحضان آبائهم وأمهاتهم، وتضعهم في مدارس خاصة، حيث يعاملهم المربون معاملةً تقوم على الدلال والمداراة حتى يتنمّر الولد، وتسوءُ تربيته، ويصير له رأي، ولا يقوم بعد هذا بأي عملٍ إذا لم يكن مقتنعاً به. يا رجل، إنه تخريب حقيقي.
قلت له: يا عمي أبو كنعان، أين الغلط في عملهم؟ ولماذا تسميه تخريباً؟
قال: اسكت. أنت كمان لا تفهم في التربية، فالولد إذا لم تدعسه، وتعجقه بقدميك سيكون، في مستقبل الأيام، قليلَ التربية، مائعاً.. ولعلمك، كنا نجلس، أنا وإخوتي، في حضرة أبينا، رحمة الله عليه، مثل تماثيل الشمع. وإذا داهمتْ الواحدَ منا السعلة لا يسعل، لئلا ينزعج منه أبوه، وإذا خطرت له فكرةٌ لا يجرؤ على طرحها، لأن والده سيزجره ويقول له إن الأولاد لا يجوز أن يتكلموا في حضرة الكبار. وإذا انتابه الضحك يجب أن يبتلع ضحكته، لأن الضحك من دون سبب قلة أدب. وكان الواحد منا حينما يذهب إلى المدرسة يقف مثل اللام ألف في حضرة المعلم، فمن عَلَّمَني حرفاً كنت له عبداً.. ويتخشّب في حضرة الموجه والمدير، و..
قاطعته قائلاً: عمي أبو كنعان، بعد إذنك، ما هو الداعي لأن أكون عبداً لمن علمني حرفاً؟ أولاً، العبودية شيءٌ كريه، وربما كان المعلم نفسه لا يرضى أن يتحول التلاميذ "عبيدا" عنده.. وثانياً، أريد أن أسألك سؤالاً محدّداً: هل يشتغل المعلمون في تعليمنا مجاناً، أم يقبضون، لقاء عملهم، رواتب شهرية؟
قال: يقبضون؟ قلت: إِذَنْ، أنا لن أكون عبداً لمن يعلمني، ولا حتى أن أشعر تجاهه بالامتنان، لأنه يعلمني مقابل أجر. ومن جهة أخرى، قد يكون المعلم المذكور رجلاً طيباً، محترماً، يعطي طلابه ما استطاع من المعلومات والأفكار، ويجيب عن أسئلتهم باندفاع، وقد يكون ثعلباً، ماكراً، يحب "الأونطة"، ويتأخر في الدخول إلى الصف، وقد يكون مُخْبراً لدى الأجهزة الأمنية، له سلوكٌ منحرفٌ يؤذي من حوله، فكيف تنصحوننا بأن نكون له عبيداً؟
قال أبو كنعان: سامحك الله. لقد أنْسَيْتَني الحديث الذي كنت مسترسلاً فيه.
قلت: أنا أُذَكِّرك. كنتَ تعطيني مزيدا من الأمثلة لتقنعني بفضائل التربية التي تقوم على قمع الأبناء، إلى درجة أن يتعلم الولدُ كيف يكبت السعال، ويمنع نفسه من الضحك، ولا يخطر له أن يتلفظ بكلام جميل أو غليظ، صحيح أو خاطئ، أمام أحد من الكبار. ولعلمك، فإن هذه التربية قد خلقت أجيالاً من الناس الخائفين، المرعوبين، الذين يحسبون ألف حساب لرئيس المخفر، ومدير الناحية، والمعلم، ومدير المدرسة، والشرطة الجنائية، والمخابرات، والمخبرين، والقيادتين القومية والقُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وشيخ الجامع، والمؤذن.. وهناك نتيجة أخرى، يا عمي أبو كنعان، أرجو منك أن تسمعها مني، وتنظر إليها باهتمام. قال: تفضل. قلت: التربية التي تقوم على الكبت جعلتنا خائفين مرعوبين بائسين فاقدي المبادرة، عديمي الإبداع، بينما تلك التربية الغربية التي لا تعجبك، وتسعى إلى حماية عقل الطفل ومداركه وملكاته العقلية، أنتجت أناساً مبدعين.. وهذان الوضعان المتناقضان هما اللذان جعلانا نحن (لاجئين) عندهم.
ونحن، إذا أردنا أن نكون منصفين، نقول إن الاستعماريين أحرارٌ بأولادهم، ولكنهم، للأسف، أصبحوا يتطاولون علينا، وعلى أبنائنا، وقد حصل أكثر من مرة في بعض الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا، أنْ تدخلت الشرطة لمصلحة أطفال من أبناء اللاجئين حينما يكتشفون أن أهاليهم يضربونهم بالأحذية، أو كما نقول نحن، بالصرامي، وتأخذ الأولاد من أحضان آبائهم وأمهاتهم، وتضعهم في مدارس خاصة، حيث يعاملهم المربون معاملةً تقوم على الدلال والمداراة حتى يتنمّر الولد، وتسوءُ تربيته، ويصير له رأي، ولا يقوم بعد هذا بأي عملٍ إذا لم يكن مقتنعاً به. يا رجل، إنه تخريب حقيقي.
قلت له: يا عمي أبو كنعان، أين الغلط في عملهم؟ ولماذا تسميه تخريباً؟
قال: اسكت. أنت كمان لا تفهم في التربية، فالولد إذا لم تدعسه، وتعجقه بقدميك سيكون، في مستقبل الأيام، قليلَ التربية، مائعاً.. ولعلمك، كنا نجلس، أنا وإخوتي، في حضرة أبينا، رحمة الله عليه، مثل تماثيل الشمع. وإذا داهمتْ الواحدَ منا السعلة لا يسعل، لئلا ينزعج منه أبوه، وإذا خطرت له فكرةٌ لا يجرؤ على طرحها، لأن والده سيزجره ويقول له إن الأولاد لا يجوز أن يتكلموا في حضرة الكبار. وإذا انتابه الضحك يجب أن يبتلع ضحكته، لأن الضحك من دون سبب قلة أدب. وكان الواحد منا حينما يذهب إلى المدرسة يقف مثل اللام ألف في حضرة المعلم، فمن عَلَّمَني حرفاً كنت له عبداً.. ويتخشّب في حضرة الموجه والمدير، و..
قاطعته قائلاً: عمي أبو كنعان، بعد إذنك، ما هو الداعي لأن أكون عبداً لمن علمني حرفاً؟ أولاً، العبودية شيءٌ كريه، وربما كان المعلم نفسه لا يرضى أن يتحول التلاميذ "عبيدا" عنده.. وثانياً، أريد أن أسألك سؤالاً محدّداً: هل يشتغل المعلمون في تعليمنا مجاناً، أم يقبضون، لقاء عملهم، رواتب شهرية؟
قال: يقبضون؟ قلت: إِذَنْ، أنا لن أكون عبداً لمن يعلمني، ولا حتى أن أشعر تجاهه بالامتنان، لأنه يعلمني مقابل أجر. ومن جهة أخرى، قد يكون المعلم المذكور رجلاً طيباً، محترماً، يعطي طلابه ما استطاع من المعلومات والأفكار، ويجيب عن أسئلتهم باندفاع، وقد يكون ثعلباً، ماكراً، يحب "الأونطة"، ويتأخر في الدخول إلى الصف، وقد يكون مُخْبراً لدى الأجهزة الأمنية، له سلوكٌ منحرفٌ يؤذي من حوله، فكيف تنصحوننا بأن نكون له عبيداً؟
قال أبو كنعان: سامحك الله. لقد أنْسَيْتَني الحديث الذي كنت مسترسلاً فيه.
قلت: أنا أُذَكِّرك. كنتَ تعطيني مزيدا من الأمثلة لتقنعني بفضائل التربية التي تقوم على قمع الأبناء، إلى درجة أن يتعلم الولدُ كيف يكبت السعال، ويمنع نفسه من الضحك، ولا يخطر له أن يتلفظ بكلام جميل أو غليظ، صحيح أو خاطئ، أمام أحد من الكبار. ولعلمك، فإن هذه التربية قد خلقت أجيالاً من الناس الخائفين، المرعوبين، الذين يحسبون ألف حساب لرئيس المخفر، ومدير الناحية، والمعلم، ومدير المدرسة، والشرطة الجنائية، والمخابرات، والمخبرين، والقيادتين القومية والقُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وشيخ الجامع، والمؤذن.. وهناك نتيجة أخرى، يا عمي أبو كنعان، أرجو منك أن تسمعها مني، وتنظر إليها باهتمام. قال: تفضل. قلت: التربية التي تقوم على الكبت جعلتنا خائفين مرعوبين بائسين فاقدي المبادرة، عديمي الإبداع، بينما تلك التربية الغربية التي لا تعجبك، وتسعى إلى حماية عقل الطفل ومداركه وملكاته العقلية، أنتجت أناساً مبدعين.. وهذان الوضعان المتناقضان هما اللذان جعلانا نحن (لاجئين) عندهم.