استحقاق المِهَنيّة في "العربي الجديد"

06 سبتمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

قد تكون نادرة جدّاً المقالات التي أرسلتها إلى "العربي الجديد" ولم تنشر لأي سبب. نادرةٌ لأنّ عددَ ما كتبتُه من المقالات، منذ بدأت الكتابة مع هذه الصحيفة المتميّزة، لا يُحصى، سواء في صفحة مقالات الرأي أو في الصفحة الأخيرة، حيث أكتب زاويةً أسبوعيةً منذ ثماني سنوات ونيّف، أو في موقع ضفّة ثالثة. ربّما خلال هذه السنوات كلّها طلبَت مني إدارة التحرير إرسال مقاليْن بديليْن فقط، وأتذكّر أنّي كنت قاسية الرأي فعلاً في المقالين (مقالات رأي) تجاه قضايا مُحدَّدة، وكنت وأنا أرسلهما يخامرني الشكُّ في إمكانية نشرهما. خلا ذلك، لم يتوقّف لي مقال، ولم تُحذف لي فقرة من مقال، ولم يغيّر عنوان مقال. تتدخّل هيئة التحرير أحياناً في الصياغة، وفي تصحيح الأخطاء النحوية واللغوية بحِرَفيّةٍ شديدةٍ تُحسب لها، فيخرج المقال أو الزاوية بما لا يُذكر من أخطاء (إنْ وجدت)، وهو ما أرى فيه احتراماً للمؤسّسة وللصحيفة، ولكتّابها أولاً.

لا أتذكّر أنّه ثمّة موضوع لم أكتب عنه خلال سنوات كتابتي مع "العربي الجديد"، كتبت عن كلّ شيء، في السياسة وفي المجتمع وفي الثقافة وفي الإسلام السياسي وفي الجنس وفي الحُبّ وفي الفنّ، وفي تشعّبات هذه المواضيع كلّها، وفي تداخلها بعضها ببعض، وارتباطها بعيش الناس، خصوصاً في بلادنا العربية ومجتمعاتنا الإسلامية؛ كتبتُ كثيراً عن سورية وأحوالها، وعن أحوال ثورتها وناسها في الداخل والخارج، كتبتُ عن مثقّفيها، معارضيها ومواليها، كتبتُ عن ناسها العاديين وعن حياتهم، كتبتُ ذاكرتي عن سورية قبل الثورة، وعن سورية بعدها، وكتبتُ ذاكرتي عن الثورة ورأيي القاسي بمآلاتها وبمن أوصلها إلى هذه المآلات؛ كتبت خواطرَ شخصيّةً ورثاءات شخصيّةً وعامّةً، كتبت في كلّ شيء، وفي كلّ مقال أو زاوية أكتبها أكتب رأيي الشخصي، الذي أشكّ أحياناً بأنّه قد لا يتوافق مع رأي رئيس التحرير، وفي بعض الزوايا انتقدت أعمالاً موّلتها المؤسّسة التي تتبع لها "العربي الجديد"، وكتبت رأياً قاسياً فيها. ومع هذا، لم يمنع ذلك كلّه مقالاتي من أن ترى النور إلى النشر، ولم يمنعها من أن تُنشر كاملةً من دون أيّ حذف فقرة هنا أو هناك.

تصادف هذه الأيام الذكرى العاشرة لصدور صحيفة "العربي الجديد"، وهو ما يجعلني أكتب ما أكتبه الآن تعبيراً عن الامتنان لما قدّمته لي هذه الصحيفة ومؤسّستها والقائمون عليهما، ولما منحته لي من فرصٍ مهمّةٍ وكبيرةٍ لكتابة ما أشاء في الموضوع الذي أريد الكتابةَ عنه، ولإبداء رأيي علناً في مواضيعَ عامّةٍ إشكاليةٍ؛ وهذا أمر قد يعتبره بعضهم عادياً، لكن كُتّاب مقالات الرأي والزوايا يعرفون أنّ التدخّلات التي تحدث من إدارة التحرير في غير صحيفة أو موقع كبيرة وكثيرة، ويعرفون أيضاً أنّ الحذف قد يطاول فقرة أو أكثر من مقالاتهم لسبب من الأسباب، ويعرفون أنّ ثمّة مواضيع لا يمكن الاقتراب منها إن كانت تتعاكس مع سياسة الدولة المموّلة للصحيفة أو للموقع الذي يكتبون فيه.

لم يسبق لي أن عبّرت علناً عن رأيي بـ"العربي الجديد"، وأتجنّب، عن قصد، الخوضَ في جدالات مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحدّثت عن الصحيفة التي تكرهها الأنظمة العربية، وتحجبها عدة دول، ويكرهها أيضاً موالو هذه الأنظمة، ويشتمونها ويشتمون من يكتب فيها، ويتّهمونه بالعمالة. وفي الوقت نفسه، يشتمها بعض مُؤيّدي "الربيع العربي" والمعارضين للنظام السوري، تحديداً، لأسباب قد تكون أيديولوجيةً وقد تكون شخصيةً، ما يدفع كاتبة هذه السطور إلى الابتعاد عن الدخول في جدالات عقيمة في عالم الافتراض بشأن مؤسّسة العربي الجديد، وصحيفتها، التي أثبتت خلال عقد أنّها على قدْر تحدّيات المرحلة السياسية العربية، سواء في مواقفها من الأنظمة أو في استقطابها كُتّاب "الربيع العربي" وشبابه.

وفي ما يخصّ سورية، كانت سبباً مباشراً ليحتفظ كثير من كُتّاب سورية وشبابها بكرامتهم نتيجة عملهم معها، وفيها وفي المواقع التابعة لها، وكاتبة هذه السطور واحدة من هؤلاء الكُثُر.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.