اختلال بريطانيا

01 يوليو 2016
+ الخط -
الإعصار الذي ضرب بريطانيا، صباح الجمعة الماضية، لا يزال في بدايته، وما أن ظهرت نتائج الاستفتاء الشعبي للانفصال عن الاتحاد الأوروبي دخل البلد في حالةٍ من التداعيات السلبية التي تشبه لعبة الدومينو. وهناك إجماع على أن ارتدادات الحدث في تزايد، ولن تكون معالجة آثارها هينةً، أو أن يجري امتصاصها بمجرد أن تبدأ عملية تنظيم إجراءات الانفصال عن أوروبا، لأن هناك فاتورة يتطلب تسديدها من جميع الأطراف، حسب مستوى المسؤولية. وهذا ما بدأ التعبير عنه أولاً على نحوٍ خطير يهدّد وحدة المملكة المتحدة وانكلترا نفسها. وفي كل يوم يمر، تؤكد اسكتلندا أنها رافضة لنتائج الاستفتاء، مبديةً العزم على البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، وعبّرت رئيسة الوزراء الاسكتلندية صراحة عن توجه حكومتها إلى تنظيم استفتاءين، واحد لبقاء اسكتلندا في الاتحاد الأوروبي، والثاني من أجل انفصالها عن المملكة المتحدة. وفي الحالين، لن تكون النتيجة في صالح وحدة بريطانيا.
والأمر المثير للاهتمام بروز اتجاه أخذ في التنامي، ويعمل على عدم ربط مدينة لندن بنتائج الاستفتاء على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وفي حين رفض عمدة بلدية لندن، صادق خان، الانفصال عن المملكة المتحدة، فإنه طالب بتخصيص "مقعدٍ كامل" للعاصمة في أي مفاوضات خروج، وبمزيد من الاستقلال عن الحكومة المركزية، خصوصاً على مستوى النفقات العامة، من أجل "حماية" اقتصاد العاصمة البريطانية. ويمكن عطف هذا الموقف على أن سكان لندن صوّتوا في الاستفتاء بنسبة 60 في المائة لصالح البقاء، إلى جانب اسكتلندا وإيرلندا الشمالية وجبل طارق. وعقب الصدمة التي أثارتها نتيجة الاستفتاء، صدرت عريضةٌ على الإنترنت تحضّ خان على إعلان استقلال لندن، وتقديم طلب لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي منفردة، وقعها 175 ألف شخص.
المظهر الثاني الخطير هو الانقسامات والحروب الداخلية التي اندلعت داخل أكبر حزبين، المحافظين الحاكم والعمال المعارض. وعلى الرغم من أن المحافظين عبّروا عن تماسكٍ نسبيٍّ في لحظة تلقي الصدمة، لكنهم، في حقيقة الأمر، أجّلوا المواجهة الكبرى فيما بينهم إلى مؤتمر الحزب المقبل الذي سيتصارع فيه جناحان، أحدهما تمثله وزيرة الداخلية تيريزا ماي، والثاني عمدة لندن السابق بوريس جونسون الذي يشدّ الحزب باتجاهٍ أكثر يمينيةً، بعد أن قاد عملية التصويت للخروج من أوروبا. وتفيد أغلب التقديرات بأن بقاء الحزب موحداً بات موضع شك، وستؤدي الأزمة التي يعيشها إلى أمرين. الأول، تعزيز قوة اليمين العنصري المتطرف. والثاني، اتساع موجة كراهية الأجانب وإعلانها بصوت عال، وستتحوّل من دعاية انتخابية إلى حالةٍ عامة، بعد أن صوّت قطاعٌ من الأجانب ضد قطاع آخر، الأمر الذي اهتزت معه صورة الوئام الاجتماعي واختلاط الأعراق بوصف بريطانيا امبراطوريةً قديمةً، نجحت في ابتكار صيغة تعايشٍ فريدة.
يواجه حزب العمال أزمةً مصيرية هو الآخر، فمنذ ظهور نتائج الاستفتاء لم يتوقف النقد لقيادة الحزب، بزعامة جيريمي كوربين، لاسيما وأن مناطق نفوذ الحزب صوّتت مع قرار الخروج من أوروبا، الأمر الذي فسّرته أوساطٌ في الحزب على أنه فشل حملة قيادة الحزب للدفاع عن البقاء في أوروبا، وهذا ترجم نفسه، يوم الثلاثاء الماضي، بالتصويت من طرف أغلبية الكتلة البرلمانية بفارق كبير 172 مع سحب الثقة عن كوربين مقابل 40 مع إبقائها، وتم إحالة الأمر إلى مؤتمر عام للحزب، لكنه قد يأتي بمن يحاول اقتناص الفرصة، رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، الذي يتحمل قسطاً أساسياً من مسؤولية الانهيار في الشرق الأوسط الذي بدأ عام 2003 باحتلال العراق بقرار من جورج بوش وبلير.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر