اتفاق الترسيم على الطريقة اللبنانية

08 أكتوبر 2022

احتجاج لبناني بالقوارب دفاعا عن حق لبنان بثروته من الطاقة (4/9/2022/فرانس برس)

+ الخط -

لا سياسة تُمارس في لبنان، ولا قوانين تطبّق حسب الأصول القانونية، لا بل حتى الدستور، جميع مواده أصبحت وجهة نظر، وتفسّر بحسب ما يراها هذا أو ذاك. تسلّم لبنان، بعد مفاوضات دامت أكثر من سنتين، المقترح الخطي الأميركي لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في خطوة تؤشّر إلى إيجابية على صعيد هذا الملف. .. دخل موضوع الترسيم هذا بازار التجاذبات السياسية في لبنان، فتحت السؤال عمّن أنجز هذه المعاهدة، دخلت البلاد في سجالات على وسائل التواصل الاجتماعي، وضمن القنوات الإعلامية والسياسية والحزبية كي ينسب كلّ فريق لنفسه، هذا الذي يعتبرونه إنجازًا، ولكنه في الواقع هو إنجاز كرتوني، لأنّ المعاهدة في القانون الدولي هي كلّ اتفاق بين دولتين يتضمّن تحديد حقوق وواجبات كلّ منهما، وهذا ما لم يحصل بين لبنان وإسرائيل. بل هناك عملية تبادل رسائل عبر الوسيط الأميركي، آموس هوكشتاين، للوصول إلى اتفاق بالشكل المبسّط، يتم اللجوء إليه عادة لتجنّب إبرام المعاهدة وفق الأصول الدستورية. ولكن المشكلة في أنّ انسحاب أيّ فريق من هذا الاتفاق في المستقبل، تحت حجة أنّ هذه المعاهدة لم يتم إبرامها وفقًا للأصول الدستورية عنده، وللإسرائيلي سوابق كثيرة في هذا الإطار.

أيّ فشل في المفاوضات الإيرانية الغربية سينعكس مباشرة على عمليات استخراج

هذا ما أكّدته مصادر مقرّبة من قصر بعبدا، "أنّ ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل لم يخضع للمادة 52 من الدستور، إذ لن يكون هناك أيّ اتفاقية أو معاهدة مع إسرائيل للتوقيع عليها". لهذا، سيرسل لبنان إلى الأمم المتحدة رسالة رسمية تتضمّن موافقته على المقترح الأميركي حول الترسيم، وكذلك ستفعل إسرائيل بشكل منفصل من دون حصول أي توقيع على الاتفاقية.

إذًا، هي معاهدة كرتونية، تهدف إلى ربط النزاع في الوقت الحالي بما يتناسب مع مصالح الطرفين. من الجانب الإسرائيلي، الأمور أكثر من واضحة، فهو يحتاج حقل كاريش، حيث سفينة التنقيب "أنرجين باور" اليونانية جاهزة للبدء باستخراج الغاز، والتصدير إلى أوروبا، وفقًا للمعاهدة التي وقعتها حكومة العدو مع الاتحاد الأوروبي. أما في لبنان، فالموضوع مختلف، فالمعاهدة الكرتونية تصبّ في مصلحة حزب الله الذي يعتبر أنّ ملف الترسيم سيبقى ورقة ضغط على الإسرائيلي والأميركي، لصالح محوره الإقليمي، إذ إنّ أيّ فشل في المفاوضات الإيرانية الغربية سينعكس مباشرة على عمليات الاستخراج، لهذا لم تأخذ المعاهدة شكلها القانوني. أما من جانب الفريق المتمثل برئيس مجلس النواب، نبيه بري، فهو دفع بهذا الاتجاه، كي لا تحتاج المعاهدة الكرتونية إلى توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون، فالخصومة السياسية المتمثلة في الكيدية التي مارسها مع بداية عهد عون تؤكّد أنّ هذه الصياغة هي الأنسب، كي لا يُعطى لهذا الرئيس الذي نُكب عهده أي إنجاز يسجّله التاريخ باسمه. لهذا، كانت الموافقة على معاهدةٍ كهذه، كي لا تأخذ مسارها الأصولي القانوني، ما يضطرّ الأمر إلى ربط إنجاز الترسيم بتوقيع الرئيس.

قد يحتاج إطار التنقيب عن الغاز واستخراجه ضماناتٍ من دول صديقة للبنان، كي لا تقدم إسرائيل على تخريب المعاهدة، أو حزب الله على ربطها بصراع المحاور

وقد تدخل تلك المعاهدة الكرتونية في بازار انتخاب رئيس الجمهورية، حيث لا توافق على اسم مرشّح حقيقي، الأمر الذي يستطيع من خلاله لبنان تمرير تلك المعاهدة، ولو كان هناك فراغ رئاسي، وهذا هو المطلوب من أفرقاء الداخل. أما فريق رئيس الجمهورية الذي لم يعد يهتم بالشكل القانوني والأصولي للمعاهدة، فقد بات على عجل من أمره كي تنجز في نهاية عهده، لهذا سارعت وسائل الإعلام والمنصّات التابعة لفريقه السياسي إلى ربط الإنجاز بالعهد، واعتبار أنّ ما حصل في زمن عون أدخل لبنان النادي النفطي.

قد يحتاج إطار التنقيب والاستخراج ضماناتٍ من دول صديقة للبنان، كي لا تقدم إسرائيل على تخريب المعاهدة، أو حزب الله على ربطها بصراع المحاور، ويصبح مادّة للتجاذبات. لهذا سارعت دولة قطر إلى الترحيب بالتقدّم الإيجابي في الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة، معتبرةً إن "ترسيم الحدود سيمكّن لبنان من التنقيب عن الغاز، وتصديره من مياهه الإقليمية، بما يعزّز الأمن والاستقرار في المنطقة".

أخيرًا، من ترحيب دولة قطر يأمل لبنان أن يكون بادرة إلى ترحيب من كل الدول العربية الشقيقة، كي يحصل على ضماناتٍ أكبر باستمرارية التنقيب والتصدير بعيدًا عن أيّ تجاذباتٍ من هنا أو مغامرات من هناك.