إيران وإشكالية السمّ والدسم

09 يوليو 2022
+ الخط -

لئن كنا عرفنا ملامح الحلف المضادّ لإيران في منطقتنا وأطرافه، فإن السؤال المطروح الآن: ماذا عن الحلف الإيرانيّ، وما الدول والجهات المقترحة للانخراط فيه؟ قبل ذلك، ربما علينا أن نعرف نوع السيناريوهات التي أعدّتها إيران لمواجهة هذا الحلف، والتي تعتمد، أساسًا، على الأطراف المرشّحة لمؤازرتها.

الواضح أن مؤازري إيران المستعدّين للانضمام إلى حلفها لا يتعدّون دولة واحدة هي سورية، وحزبًا واحدًا هو حزب الله اللبناني، ومع بعض التفاؤل المشوب بالحذر، ربما تنضم الجزائر إلى هذا الحلف، على الرغم من بعدها الجغرافيّ عن أرض المنطقة المرشّحة للمواجهات، بينما تبدو روسيا غير متحمّسة إلا لتقديم بعض المساعدات العسكرية واللوجستية إن استدعت الضرورة.

على هذا النحو، يبدو "الحلف الإيراني"، إن جاز التعبير، هشًّا وضعيفًا في مواجهة الحلف الآخر الذي تقف على رأسه أميركا وإسرائيل، حتى وإن جاء انخراطهما مواربًا، فكيف في وسعها أن تخوض حربًا، مثلًا، إن فرضت عليها، من الحلف المضادّ؟

لا أحد، بالطبع، يتمنّى أن تحدُث مثل هذه المواجهة، نظرًا إلى تكاليفها ومترتباتها على شعوب المنطقة، غير أن ما يحدث باعثٌ على القلق، فعلًا، ويستحقّ مراجعة متأنية؛ لمعرفة كيف وصلنا إلى هذه النقطة العمياء، وإلى أيّ اتجاهٍ ستؤول الأمور، فهذا أبسط حق للشعوب التي تجد نفسها وقودًا متداولًا لمواجهات ترسم مصائرها، من دون أن تكون لها يد فيها، وعلى غير رغباتها بالتأكيد.

هذه الشعوب، لا يرضيها أن ترى ساستها منخرطين في حلفٍ مشترك إلى جانب إسرائيل وأميركا، مهما كانت المبرّرات والمسوّغات؛ لأنها، بحكم فطرتها وتجاربها الدامية، تعرف أن إسرائيل لا يمكن أن تكون، في أي يوم، حليفًا أو صديقًا، بل عدوّ محسومً، ومصنّف في أقبح درجات العداء للوجود العربيّ برمّته، مثلما تتساءل: أين كانت الأحلاف العربية عندما كانت الحاجة ماسّة لها في مواجهاتٍ مصيريةٍ مع إسرائيل، كحروب 1948 و1967، و1973، وفي اجتياح لبنان عام 1982، وفي حملات الإذلال والتنكيل اليومية ضد الشعب الفلسطيني المحتلّ، التي تستفزّ أبلد المشاعر، لكنها لا تحرّك جثث الأنظمة العربية، ولا تستدعي تحالفًا من أي نوع .. وعندما تُنتخى تلك الأنظمة، تدّعي العجز وقلة الحيلة، لكنّها، بغتة، تشمّر عن سواعدها، وتتنادى إلى التحالف عندما يتعلّق الأمر بـ"العدوّ الإيرانيّ".

ولعلّ السؤال المطروح هنا: "هل تصنّف إيران عدوًّا للعرب حقًّا؟". تتفرّع الإجابات حول هذا السؤال، وتنقسم، فثمّة من يضعها في خانة العداء، وآخرون في خانة "الأشقاء"، أو "الأصدقاء" على أقلّ تقدير، كما يختلف الحكم باختلاف من يوجّه إليه السؤال؛ فإجابتا المواطنين، الإماراتي والسعودي، ستختلفان عن المواطن الفلسطيني أو اللبناني الجنوبي، أو العراقي الشيعي.

أما المعضلة الحقيقية فتكمن في أن لكلّ طرف مسوّغاته المقنعة، ولربما كانت هذه إشكالية السياسة الإيرانية نفسها، سيّما الموجّهة إلى منطقتنا، فإيران المقدّرة والمحمودة في غزة وجنوب لبنان، لكونها تمدّ حركة حماس وحزب الله بالدعم المفتوح من الأسلحة والمعدّات والمال لضرورات المواجهة مع إسرائيل، هي نفسها إيران التي تحتلّ الجزر الإماراتية الثلاث من دون وجه حق، وهي ذاتها إيران التي تزاول عبثًا غير مبرّر في اليمن، والعراق، وسورية، وهي نفسًها التي وقفت نقيضًا لثورات الربيع العربي.

وإيران هي نفسها التي تدسّ سمّ الطائفية في دسم معوناتها ومساعداتها؛ وثوراتها المصدّرة إلينا، ويعود ذلك، أساسًا، إلى طبيعة تركيب النظام الإيراني الحاكم ذاته، الذي لا يمكن إدراجه في خانة الأنظمة الديمقراطية؛ لأنه لا يقبل الآخر المختلف عنه في العقيدة والأيديولوجيا، بل يقصيه ويسجنه ويعدمه. أما ديمقراطيته فهي ديمقراطية "الملالي"، المحصورة بينهم فقط. إيران تساعد حزب الله بالسلاح، مثلًا، لكنها تريد للمكوّن الشيعي أن يكون السائد في لبنان، والأمر نفسه ينطبق على حوثيي اليمن، وكذا في سورية حماية للطائفة العلويّة الحاكمة، ولو كان هناك مكوّن شيعيّ في فلسطين، لاستبدلته ب"حماس" حتمًا.

لهذا، ينقسم العرب في رؤيتهم إلى إيران، وإلى الحلف الذي يتشكّل ضدّها حاليًّا، وهو ما يجعل أيّ مواجهة محتملة معها كارثة حقيقية؛ بكلّ المقاييس؛ لأن ذلك سيفضي إلى مزيد من الفرقة العربية البينية، وبين العرب وإيران أيضًا، وستكون الخسارات مشتركة، لن تستفيد منها غير إسرائيل فقط.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.