16 نوفمبر 2024
إسطنبول.. مدينة القطط المدللة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
في إسطنبول، تسرح القطط بهناء شديد، وكأن هذه المدينة باتت ملفاها، وأرض استقبالها الوحيدة في الكون. تعيش القطط في هذه المدينة بأمانٍ على الصعد كافة، وتحظى بتعاملٍ لائق من البشر والدولة، ويشكل الحضور الكبير والمميز لهذا الحيوان علامة امتياز خاصة من علامات إسطنبول، وظاهرةً يندر أن نجدها في مدينة أخرى، ويحلو لبعض الدراسين تشبيه اهتمام إسطنبول بالقطط بمعاملة الهندوس للأبقار في شوارع الهند.
تأتي القطة الصغيرة كل صباح، وتقف قرب نافذة الغرفة في هذا الفندق البحري، في عينيها فضول، ولكنهما تفيضان بحنان الأطفال. لا أبالغ أني أحسّ تجاه هذه الصغيرة التي لا تتجاوز ستة أشهر كأنها ابنتي، حينما كانت صغيرة في هذه السن، ولم تكن قد بلغت مرحلة التعبير بالكلام، فكانت تطلب ما تريد بأصوات وحركات قطّة، ويزيد من التشابه الملامح الطفولية في الوجه والشعر، وحتى أصابع اليدين والقدمين.
أفتح لها باب الشرفة، فتقفز نحو الداخل، كأنها هاربة من أحدٍ يطاردها، ولكن الأمر ليس كذلك، إنها تريد توصيل رسالة من دخولها السريع ووقوفها في زاوية من الغرفة، أنها لن تخرج بسهولة. أسايرها وأتركها تسرح وتمرح في الغرفة، فليس هناك ما يدفعني إلى تقييد حركتها. وحين لا تجد ما تأكله في غرفة الفندق، تبدأ بتغيير الاستراتيجية، وتشتغل على كسب ودّي وتحريك عواطفي، كي أتصرّف وأبحث لها عن طعام.
تناولت طعامها، واسترخت قليلا، وبعدها بدأت تلعب. تركت باب الشرفة مفتوحا، كي لا أقيد حركتها، فرحلت ولم تعد، بل وجدتها، في اليوم الثاني، مع جوقة كبيرة من القطط في مطعم الفندق، وهذا يعني أن هذا النوع من القطط لا يستطيع العيش في فضاء بيتي، حتى لو تم الاهتمام بها، فهي معتادة على حياة الشارع، وتقول الدراسات إنها أكثر بريةً من قطط القرى التي تقضي جزءاً من وقتها خارج البيت، ولكنها تأوي إليه كل مساء.
لا ينهر أهل إسطنبول القطط، وهي تتحرّك في مجموعاتٍ بين الطاولات في المقاهي والمطاعم تطلب طعامها بأدب، وتترك الإدارة، عادة، قرار إطعامها للزبائن، وحين لا تجد طعامها هنا تبحث عنه في مكان آخر، وهو متوفر من بلدية إسطنبول التي وظفت جهازا كبيرا من أجل إطعام عشرات آلاف القطط (إحصائية شبه رسمية: 100 ألف قطة في شوارع إسطنبول) التي تدور في المدينة المترامية الأطراف. وتقول معلومات إن المبالغ التي يتم صرفها على إطعام القطط أقل بكثير من موازنة محاربة الفئران والحشرات الضارة، ويعود الفضل لهذا الجيش الجرّار من القطط في تنظيف المدينة وتجنيبها أمراضا كثيرة.
تعيش هذه القطط في إسطنبول منذ زمن طويل يعود إلى عقود، وهي تعتبر نصف داشرة ونصف مروّضة، وبذلك هي موزّعة بين فضائي البيت والشارع، وصار بعضها معروفا كالقط تومبيلي الذي رحل في عام 2016، وكان من معالم المدينة، ولذا أقامت له بلدية إسطنبول تمثالا تمت سرقته، ما دفعها إلى إقامة تمثال ثان يزوره الناس.
على غرار الانتشار الكبير للقطط، تحفل شوارع إسطنبول بالكلاب من شتى الأنواع. ويلاحظ السائر في الشوارع أن البلدية تعنى بالكلاب، وتخضعها لنظام مراقبة صحي صارم، ولدى كل كلب بطاقة هوية خاصة مطبوعة على أذنه. وتمتاز الكلاب بأنها وديعة، ولا تؤذي أحدا، ويخيل لبعضهم أن سبب ذلك هو حقن الكلاب بمواد ذات طابع تخديري، لكن الأمر ليس كذلك، وإنما يعود الفضل إلى التربية المديدة التي طوّعت هذا الحيوان، وبات أليفا، يعيش ضمن حيز خاص به، ولا يكترث بالآخرين.
تأتي القطة الصغيرة كل صباح، وتقف قرب نافذة الغرفة في هذا الفندق البحري، في عينيها فضول، ولكنهما تفيضان بحنان الأطفال. لا أبالغ أني أحسّ تجاه هذه الصغيرة التي لا تتجاوز ستة أشهر كأنها ابنتي، حينما كانت صغيرة في هذه السن، ولم تكن قد بلغت مرحلة التعبير بالكلام، فكانت تطلب ما تريد بأصوات وحركات قطّة، ويزيد من التشابه الملامح الطفولية في الوجه والشعر، وحتى أصابع اليدين والقدمين.
أفتح لها باب الشرفة، فتقفز نحو الداخل، كأنها هاربة من أحدٍ يطاردها، ولكن الأمر ليس كذلك، إنها تريد توصيل رسالة من دخولها السريع ووقوفها في زاوية من الغرفة، أنها لن تخرج بسهولة. أسايرها وأتركها تسرح وتمرح في الغرفة، فليس هناك ما يدفعني إلى تقييد حركتها. وحين لا تجد ما تأكله في غرفة الفندق، تبدأ بتغيير الاستراتيجية، وتشتغل على كسب ودّي وتحريك عواطفي، كي أتصرّف وأبحث لها عن طعام.
تناولت طعامها، واسترخت قليلا، وبعدها بدأت تلعب. تركت باب الشرفة مفتوحا، كي لا أقيد حركتها، فرحلت ولم تعد، بل وجدتها، في اليوم الثاني، مع جوقة كبيرة من القطط في مطعم الفندق، وهذا يعني أن هذا النوع من القطط لا يستطيع العيش في فضاء بيتي، حتى لو تم الاهتمام بها، فهي معتادة على حياة الشارع، وتقول الدراسات إنها أكثر بريةً من قطط القرى التي تقضي جزءاً من وقتها خارج البيت، ولكنها تأوي إليه كل مساء.
لا ينهر أهل إسطنبول القطط، وهي تتحرّك في مجموعاتٍ بين الطاولات في المقاهي والمطاعم تطلب طعامها بأدب، وتترك الإدارة، عادة، قرار إطعامها للزبائن، وحين لا تجد طعامها هنا تبحث عنه في مكان آخر، وهو متوفر من بلدية إسطنبول التي وظفت جهازا كبيرا من أجل إطعام عشرات آلاف القطط (إحصائية شبه رسمية: 100 ألف قطة في شوارع إسطنبول) التي تدور في المدينة المترامية الأطراف. وتقول معلومات إن المبالغ التي يتم صرفها على إطعام القطط أقل بكثير من موازنة محاربة الفئران والحشرات الضارة، ويعود الفضل لهذا الجيش الجرّار من القطط في تنظيف المدينة وتجنيبها أمراضا كثيرة.
تعيش هذه القطط في إسطنبول منذ زمن طويل يعود إلى عقود، وهي تعتبر نصف داشرة ونصف مروّضة، وبذلك هي موزّعة بين فضائي البيت والشارع، وصار بعضها معروفا كالقط تومبيلي الذي رحل في عام 2016، وكان من معالم المدينة، ولذا أقامت له بلدية إسطنبول تمثالا تمت سرقته، ما دفعها إلى إقامة تمثال ثان يزوره الناس.
على غرار الانتشار الكبير للقطط، تحفل شوارع إسطنبول بالكلاب من شتى الأنواع. ويلاحظ السائر في الشوارع أن البلدية تعنى بالكلاب، وتخضعها لنظام مراقبة صحي صارم، ولدى كل كلب بطاقة هوية خاصة مطبوعة على أذنه. وتمتاز الكلاب بأنها وديعة، ولا تؤذي أحدا، ويخيل لبعضهم أن سبب ذلك هو حقن الكلاب بمواد ذات طابع تخديري، لكن الأمر ليس كذلك، وإنما يعود الفضل إلى التربية المديدة التي طوّعت هذا الحيوان، وبات أليفا، يعيش ضمن حيز خاص به، ولا يكترث بالآخرين.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
09 نوفمبر 2024
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024