إسرائيل من دون قناع

10 نوفمبر 2022
+ الخط -

قد يبدو العنوان أعلاه غير ذي معنى، على الأقل بالنسبة لنا، نحن العرب الذين تقترن إسرائيل في ذاكرتنا بسجلها الأسود في القتل والتشريد والتهجير والاقتلاع بحق الشعب الفلسطيني، ما يفيد بأنها لم تكن يوماً، منذ تأسيسها، بحاجةٍ لوضع قناع تُخفي به نزعتها التوسّعية والعدوانية، التي يحاول معسكر التطبيع العربي الالتفاف عليها، من خلال ترويجه إمكانية التوصل إلى سلام عادل معها بالمراهنة على محور ''الاعتدال'' فيها، لا سيما مع وجود ''جالياتٍ عربية يهودية'' يمكن أن تسهم في تعزيز التطبيع والانتقال به إلى أطوار أخرى. وقد أكّدت نتائجُ الانتخابات التشريعية، التي جرت في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مرّة أخرى، الطبيعة اليمينية والفاشية للمجتمع الإسرائيلي، وكشفت زيف ما يتوسّل به معسكر التطبيع العربي لتبرير الاتفاقيات الإبراهيمية التي أبرمتها إسرائيل مع دول عربية.

في هذا السياق، يُنذر صعود تحالف ''الصهيونية الدينية''، الذي حل ثالثاً بعد حزبيْ الليكود وهناك مستقبل، بانعطاف المجتمع الإسرائيلي أكثر نحو اليمين الديني المتطرّف، بما يعنيه ذلك بالنسبة للحقوق الفلسطينية المسلوبة، ذلك أن توسيع مشاريع الاستيطان والاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وتهويد المسجد الأقصى وتعزيز تدابير الفصل العنصري، كلها أولوياتٌ تتصدّر أجندة هذا اليمين الذي يعتبر الوجود الفلسطيني تهديداً وجودياً.

مؤشّرات كثيرة ترجّح أن ينضم هذا التحالف إلى الائتلاف الحكومي المرتقب برئاسة بنيامين نتنياهو. ووجودُ حكومة إسرائيلية يمينية متطرّفة يضع المنطقة على فوّهة بركان، في ظل انكفاء النظام العربي الرسمي وشعور الفلسطينيين بتخلّيه عنهم وانحيازِ الدول الكبرى لدولة الاحتلال. ولا شك في أن المجتمع الإسرائيلي، بانعطافه نحو اليمين المتطرّف واختياره نتنياهو لقيادة المرحلة المقبلة، يُعيد إلى الواجهة التناقض الجوهري بين الطبيعة الاستيطانية (والعنصرية) للكيان الصهيوني والديموقراطية آليةً للتعايش بين القوى الاجتماعية، بصرف النظر عن انتماءاتها الدينية والمذهبية، فانحياز مجتمع بأكمله إلى طروحات هذا اليمين لا يمكن أن يُفسّر إلا بالخوف من إصرار ''الآخر الفلسطيني'' على البقاء والمقاومة، سواء ذلك الذي يُفترض أنه جزء من ''النسيج الوطني الإسرائيلي'' (فلسطينيو الداخل)، أو ذلك الذي يقيم في مدن الضفة الغربية والشتات.

تؤكّد نتائج الانتخابات الإسرائيلية استحالة مصالحة المشروع الصهيوني مع الديمقراطية، بسبب ما تنطوي عليه من تهديدٍ لوجود إسرائيل في المدى البعيد، فحل الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة أضحى مستحيلاً، ليس فقط لأن الأحداث تجاوزته، بل لأنه يمثل، كذلك، خطراً ديموغرافياً على دولة الاحتلال التي أخفقت في حل مشكلة المواطنة بالنسبة لفلسطينيي 1948 الذين يحملون جنسيتها. أما حلّ الدولتين، فيصطدم بواقع الاستيطان الذي يُحوِّل الدولة الفلسطينية المأمولة إلى كيانٍ مفكّك من دون حدود جغرافية واضحة، ويشكل، في الوقت ذاته، عائقاً أمام مشاريع الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي التي تُغذّي المطامع الصهيونية التوسعية. ومن هنا، يَسقط قناعُ ''الديموقراطية الإسرائيلية'' ليصبح مجرّد آلية عمل لإدارة الاختلاف من داخل المشروع الصهيوني الذي يتعارض، بطبيعته، مع التعددية الفكرية والسياسية.

تحوُّلُ اليمين الديني إلى رقم أساسي في معادلة السياسة الإسرائيلية يكاد يعيد الصراع إلى مربّع الصفر، ويكشف عجز إسرائيل، بسبب بنيتها العنصرية والاستيطانية، عن التعايش بسلام مع جوارها العربي. وسيسهم تغلغلُ هذا اليمين في مؤسّساتها الحيوية في تبنّيها سياساتٍ أكثر تطرّفاً في مواجهة الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو داخل الخط الأخضر، وبالأخص مع تراجع اليسار العلماني الإسرائيلي وعجزه عن بناء خطاب سياسي وأخلاقي يفسح المجال أمام حل عادل وشامل للصراع.

في الختام، تبدو الكرة، الآن، في ملعب الفلسطينيين، الذين باتوا مطالَبين، أكثر من أي وقت مضى، بتقديم المصلحة الوطنية على انتماءاتهم السياسية والحزبية، من خلال إحياء المشروع الوطني الفلسطيني الذي يتجاوز الانقسام بين القوى الوطنية والإسلامية، ويستوعب خطورة المنعرج الذي تمرّ منه القضية الفلسطينية.