إسرائيل "تُفطر" على دمشق

09 ابريل 2023
+ الخط -

أن تصوم وتفطر على "بصلة"، فذلك شأن الفقراء، أما أن تصوم وتُفطر على "دمشق" فذلك شأن إسرائيليّ بحت. هذا إذا افترضنا أن إسرائيل "تصوم" أصلًا، عندما يتعلق الأمر بضرب العرب، وهو ما لم يحدث، لأن إسرائيل تتخيّر موائد إفطارها كيف تشاء.

كان واضحًا، منذ بداية رمضان الحالي، أن إسرائيل قررت أن تفطر في دمشق (أو على دمشق، لا فرق)، بدليل أنه ما مرّ يوم رمضانيّ، من دون مدفع إسرائيلي يعلن موعدًا للإفطار في دمشق، أو حلب، أو حمص، وما على الصائمين العرب من أصحاب "البصلة" إلا أن يتلقّوا وجبة المدفع، بصمت، سواء نالوا من المدفع قذيفته، أو دويّ القذيفة. وفي ذلك ينقسم العرب عربين: محظوظين مؤقتًا إن نالوا الدويّ، ومنحوسين إن نالوا القذيفة ذاتها. أما المحظوظون المؤقتون، فيتحسّسون رؤوسهم بعد كل قذيفة، ويحمدون الله "على نعمه"، وربما يبالغ بعضُهم بحمد إسرائيل أن أطالت في أعمارهم يومًا إضافيًّا.

خلاصة الأمر أن إسرائيل لا تصوم البتة، على خلاف ما أتحفتنا به مسؤولة أميركية قبل أيام، عندما صرّحت بغبطة الناجين من الموت: "يبدو أن الأيام الأولى من رمضان هذا العام مرّت بسلام". وكانت تقصد، بالطبع، عدم اندلاع حرب رمضانية في غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على غرار رمضانات سابقة، بعد أن اقترن، في الأذهان، أن رمضان يحمل دومًا مشروع عدوانٍ جديد على غزة، لكن المسؤولة الأميركية إياها، وتُدعى باربرا ليف، لم تأت على ذكر المدن السورية التي لم يتوقّف عدوان إسرائيل عليها يومًا واحدًا طوال رمضان، لأن ليف وسادتها خير من يقسّم العرب إلى عشرات العرب، فلا شأن لعرب غزة بعرب دمشق، حتى وإن كان مصدر التهديد واحدًا موحّدًا، على خلاف نظرة أميركا إلى إسرائيل الواحدة الموحّدة من البحر إلى النهر.

وللتذكير فقط، تتولّى المسؤولة إياها منصب مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى. والحال أنني لا أدري إن كانت كلمة "الأدنى" جاءت للتحديد الجغرافي، أم وصفا عنصريّا لمنطقتنا، التي توضَع دومًا في المرتبة "الأدنى"، في التصنيفات والفهارس الأميركية، وهذا ما أرجّحه؛ سيّما وأن واقع التعامل الأميركي مع شعوبنا يبرهن على هذا الترجيح، بدليل ما يحدُث في دمشق الآن من عدوانٍ متكرّر.

ربّ عرب، أيضاً، من أصحاب "البصلة"، يشاطرون ليف موقفها حيال ضرب دمشق، بذريعة أن المصالح الإيرانية هي المستهدفة أساساً في هذا القصف، أو لأن النظام السوري يستحقّ ما يحدُث له؛ لأنه استبداديّ أزهق من أرواح شعبه ما يفوق ضحايا الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة. لكن ينبغي التوقف هنا وإعادة النظر في هذه الآراء التي تفوح منها رائحة "البصل"، فإسرائيل كانت خير حافظ لحافظ الأسد، ومن بعده نجله بشّار، ولنظامهما الدمويّ في سورية، وهؤلاء لا يخسرون في هذا العدوان المتكرّر قيد أنملة من سلطانهم واستبدادهم، بل على العكس، فهم إما مستفيدون أو متواطئون؛ لأنهم خيرُ من يديرون المجازر لصالحهم، ولا يضيرهم إن كان الضحايا من شعوبهم أو من "حلفائهم" الإيرانيين، فقد انتهت لعبة الحفاظ على عروشهم، بفضل هؤلاء الحلفاء المخدوعين بـ"مقاومتهم" و"ممانعتهم"، وآن الآن وقت خروجهم من الشام، ولا ضير أن يكون ذلك على يد إسرائيل وضرباتها الرمضانية.

أما الشعب السوري، الذي لا يجد حتى "البصلة" إفطاراً، فهو الخاسر الوحيد من هذا العدوان المتكرّر، مثلما كان الخاسر الأكبر في ثورة ربيعه، بفضل مؤامرات الأقرباء والأشقاء، هو الواقع الآن بين حراب النظام وقذائف إسرائيل، يعطي لكلّ طرفٍ حصّته من مائدة دمه، ويعلن أن رمضان هذا العام كان كريمًا للغاية عليه، لأنه يخصم من عمره، غير المأسوف عليه، يومًا آخر.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.