إرهاب المستوطنين: ما أشبه الليلة بالبارحة
منذ أعوام عديدة، ومع كل اعتداء إرهابي جديد يشنّه المستوطنون على الفلسطينيين في أراضي 1967 تحديدًا، يحضرُني تعريف آلان باديو الحدث بأنه واقعة استثنائية خارقة، علمية، أو مجتمعية، أو عاطفية، تنفتح معها إمكانات للنظر والعمل كانت مستبعدة من التفكير، أي لم تكن مرئية أو محتملة أو محسوبة. ويضيف أنه أشبه بصدمةٍ تتيح لمن يتلقّى أثرها أن ينسلخ عن غرائزه الحيوانية بقدر ما تنكشف له حقيقة المساواة الأصلية بين البشر. وبهذا المعنى، يحيل الحدث إلى معاني الكشف والتعالي ومحاولة التجاوز.
طبعًا، يمكن أن نستعير هذا التعريف كي نتساءل فيما إذا كانت آخر جرائم المستوطنين الإرهابية في بلدات حوارة وترمسعيا وأم صفا وغيرها بمثابة حدثٍ كهذا قد يترتّب عليه قدرٌ، ولو بسيطا، من الكشف بالنسبة لصناع القرار أو الرأي العام الإسرائيلي؟
قبل نحو عقد، كتبت مقالًا عن جرائم عصابات المستوطنين التي تطلق على نفسها اسم "تدفيع الثمن". ولدى العودة إليه الآن كي أتحاشى أي تكرار صُدمت بواقع أن في الوسع تكراره كما هو، جريًا على مقولة "ما أشبه الليلة بالبارحة". ورد في مستهله: أدّى تفاقم الجرائم التي ترتكبها جماعات استيطانية يهودية ضد الفلسطينيين وأملاكهم في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر في الآونة الأخيرة إلى إعادة استعمال آلية "الكذب المتفق عليه إسرائيليًا" بوجه عام حول المستوطنين، والتي تدّعي، من ضمن أمور أخرى، أن هذه الجماعات لا تعدو كونها "أعشابًا ضارّة"، ولا تعكس "المشهد الحقيقي" لـ"مشروع الاستيطان الصهيوني".
كما جرى التنويه بأنه كان ثمّة من فضح هذه الآلية، وفي مقدّمهم الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز الذي رأى تعابير مثل "تدفيع الثمن" و"شبيبة التلال" التي تطلق على هذه الجماعات تزويقية، وأنه حان الوقت لمواجهة هذا الوحش وتسميته باسمه الحقيقي، معتبرًا أنها جماعات نازية جديدة عبرية، وأنه ليس هناك أي شيء يفعله النازيون الجدد في عصرنا ولا تفعله هذه الجماعات هنا. ولفت إلى أن الفارق الوحيد قد يكون كامنًا في أن الجماعات النازية الجديدة هنا تحظى بدعم عدد غير قليل من المشرّعين القومويين، وربما العنصريين، وكذلك بدعم عدّة حاخامات يقدّمون لهم الفتاوى تلو الأخرى. وفي سياق لاحق، هناك من رأى أن وصف عوز لهؤلاء دقيق للغاية، ولكن، في الوقت عينه، أكد أنه ربما تجدر العودة إلى وصف لا يقل دقة للمفكر اليهودي يشعياهو ليبوفيتش لأمثال هؤلاء بأنهم "يودو نازيون" (يهود نازيون) كونه وصفًا مقتضبًا وصائبًا أيضًا.
في ذلك الوقت أيضًا، برزت أمامنا حقيقة أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو رفض توصية تقدّم بها قبل عدة أعوام وزيرا الأمن الداخلي والعدل، تنصّ على اعتبار جماعة "شبيبة التلال" الاستيطانية التي تنفّذ هذه الجرائم مجموعة إرهابية، الأمر الذي يشفّ عن جوهر تعامل المؤسّسة السياسية والأجهزة الأمنية مع هذه الجماعة. وفقط بعد ارتكاب هذه الجماعة اعتداءات ضد ضباط الجيش الإسرائيلي وجنوده في الأراضي المحتلة، أعلن الناطق بلسان الجيش أن هذه الاعتداءات تشكّل تجاوزًا للخطوط الحمر، ما حمـل القاضي الإسرائيلي المتقاعد بوعز أوكون، وكان في منصب محلل الشؤون القانونية في صحيفة يديعوت أحرونوت، إلى التنويه بأن هؤلاء الضباط والجنود وقادة الجيش يملكون وسائل كافية لحماية أنفسهم، بينما الاعتداءات الأخطر هي التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين، وهؤلاء لا يوجد من يوفر الحماية لهم على الإطلاق. وأضاف أنه بناء على ذلك، على كل من أعرب عن صدمته الكبيرة إزاء اعتداءات ناشطي اليمين على الجيش أن يدرك أن مثل هذه الاعتداءات يتعرّض لها الفلسطينيون يوميًا في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، وأن الخطوط الحمر جرى تجاوزها منذ فترة طويلة، وما يسود في هذه الأراضي هو نظام أبارتهايد. وكل من يعتقد أن المشكلة كامنة فقط في عدم تطبيق القانون يرتكب خطأ فادحًا، لكون القانون الإسرائيلي الذي يُطبّق في الأراضي الفلسطينية سيئًا وغير عادل من أساسه.