أين تقف إيران من الصراع على كاراباخ؟
فيما تتركز معظم الأنظار على الموقفين، الروسي والتركي، في الصراع الدائر على إقليم ناغورنو كاراباخ، باعتبارهما الراعيين الإقليميين المباشرين لطرفي الأزمة من الأرمن والأذريين، تحظى إيران بقدر أقل من الاهتمام، على الرغم من أنها الأكثر تأثّرا بنتيجة ما يدور في القوقاز الجنوبي. فإلى جانب أنها الوحيدة في مثلث القوى مع روسيا وتركيا التي تملك حدودا برّية طويلة مع طرفي الصراع، تعيش في إيران أقلية أذرية كبيرة تتفاوت التقديرات حول حجمها بين 25% و35%. وهذا يوازي ضعفي عدد الأذريين الذين يعيشون في أذربيجان نفسها. ومنذ بداية الصراع على الإقليم بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، اتخذت إيران موقفا مؤيدا لأرمينيا، علما أن أغلبية سكان أذربيجان هم من الشيعة الإثني عشرية، وإن كان الدين لا يلعب دورا مهما في حياتهم. وعلى الرغم من أن إيران طرحت نفسها وسيطا في القتال الدائر حاليا بين الطرفين، إلا أن لديها اليوم أسبابا أكثر لكبح جماح أذربيجان، ومنعها من تحقيق انتصار عسكري. تقف مجموعة أسباب سياسية واقتصادية وجيوسياسية وراء هذا الموقف، فانتصار أذربيجان يعني أولا إضافة نحو 130 كم إلى حدود إيران معها، وتتخوّف إيران من أن يؤدّي ذلك إلى انبعاث الروح القومية بين الملايين من مواطنيها الأذريين، خصوصا وأن تيارا في أذربيجان يرى أن إيران تحتل "أذربيجان الجنوبية" (محافظتي أذربيجان الشرقية والغربية في إيران)، ويدعو إلى قيام أذربيجان الكبرى، لتضم كل الأذريين على طرفي الحدود مع إيران. ولمّا كان الأذريون أتراكًا من جهة العرق أو القومية، تتخوّف إيران من أن انتصارا أذريا في الحرب مع أرمينيا سوف يعزّز بالضرورة نفوذ تركيا في القوقاز الجنوبي، ويغذّي صعودها الإقليمي العام، والذي بات يقلق إيران بامتداداته من غزة ولبنان إلى سورية والعراق والقوقاز.
من الزاوية نفسها، تنظر إيران بعدم ارتياح إلى مشاريع الطاقة التي تتولى تركيا إنشاءها مع أذربيجان أو من خلالها (مع تركمانستان) بغرض إيصال النفط والغاز من بحر قزوين إلى الأسواق الأوروبية. وإذ يقلل ذلك من اعتماد تركيا على الغاز والنفط القادمين من إيران وروسيا، فإن طهران تعتبر ذلك أيضا حسمًا من أهمية مشاريعها المستقبلية، وتقويضا لمساعيها التحول إلى مصدر رئيس للطاقة في أوروبا. حتى الآن، هناك ثلاثة خطوط رئيسة لنقل الطاقة من بحر قزوين إلى تركيا، تتجنب جميعها المرور بأراضي إيران وروسيا، الأول هو خط باكو – تبليسي - جيهان لنقل النفط، والثاني هو خط تاناب الذي تم افتتاحه عام 2018، وينقل الغاز من حقل شاه دينز (أكبر حقول الغاز الأذرية على بحر قزوين) إلى تركيا فاليونان، وصولا إلى إيطاليا. والثالث هو خط باكو – تبليسي - كارس. بالنسبة الى إيران (وكذلك روسيا) من المهم أن يبقى إقليم ناغورنو كاراباخ بيد أرمينيا، لأنه يطل على وادي "تفس" الذي تضخ أذربيجان عبره 80% من صادراتها من النفط والغاز، ويمكن تهديدها إذا احتاج الأمر للضغط على تركيا وأوروبا.
وفيما تشكّل العلاقة الأذرية التركية محل إرباك في طهران، ينسحب ذلك أيضا على توجه أذربيجان، لأن تصبح مركزا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) على بحر قزوين في المستقبل، خصوصا إذا برزت بصفتها حليفا يمكن الإعتماد عليه في حال حقّقت نصرا على أرمينيا. حاليا تعتمد إيران على الموقف الفرنسي المؤيد لأرمينيا، لكبح محاولات أذربيجان التقارب مع الغرب، لكن هذا قد لا ينجح في ضوء الإفتراق الفرنسي - الأميركي من جملة من القضايا، تبدأ بإيران نفسها، وتصل إلى لبنان وليبيا، والموقف من صعود تركيا إقليميا.
لا يقل أهميةً عن كل ما ذكر توجّس إيران من العلاقات المميزة التي تربط إسرائيل بأذربيجان، ومن الوجود الأمني الإسرائيلي الكثيف في باكو، وتتهم جهات إيرانية أذربيجان بأنها مصدر أكثر الهجمات التي تعرّضت لها منشآت حيوية إيرانية، خصوصا منشأة نطنز النووية الصيف الماضي. ومع تطبيع الإمارات علاقاتها مع إسرائيل، تشعر إيران بكمّاشة إسرائيلية تهدّدها من جهة أذربيجان شمالا والخليج جنوبا.
في هذه المرحلة تنحصر اهتمامات إيران في منع انتشار العنف إلى داخل أراضيها، أو حصول موجة نزوح كبيرة نحوها، لكنها تفكّر بكل هذه العوامل، وهي تراقب تطوّر الصراع على حدودها الشمالية.