أمير الخراب... أيضاً وأيضاً

20 مايو 2023
+ الخط -

"تكوين قوات الدعم السريع، أفضل قرار اتخذته في حياتي"... الرئيس السوداني السابق عمر البشير، مايو/ أيار 2017

***

بعد أقل من عاميْن من تصريح الرئيس السابق، عمر البشير، في تخريج الدفعة الخامسة من قوات الدعم السريع، شارك قائد الدعم "الفريق" محمد حمدان دقلو في إسقاط نظام البشير.

وبعد ثمانية أشهر من انقلاب حميدتي على قائده السابق، وقف حليفُه الجديد وصديقُه القديم رئيس المجلس العسكري ثم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مخاطباً قوات الدعم السريع قائلاً: "لا يُنكِر تضحيات الدعم السريع في حماية السودان إلا مكابر".

لم يتعلم قائد الجيش من رأس الذئب الطائر، عمر البشير. تاجر الإبل الذي جاء من مدينة الكُفرة الليبية لينتقم لمقتل أقاربه صعد بسرعة إلى قمّة السلطة. كان البشير يطلق عليه لقب "حمايتي"، تدليلاً للقب "حميدتي". أثبت الرجل أنه قادر على حماية النظام السابق. في العام 2015، خاض "الدعم السريع" معركة قوز دنقو ضد قوات حركة العدل والمساواة المناوئة للنظام، وكبّدها خسائر فادحة جعلتها على حافّة التلاشي. لاحقاً، وصف حميدتي هذه المعركة بأنها "جديرة بأن تدرّس في التاريخ الحديث والمعاهد العسكرية نسبة لأهميتها".

رغم ذلك، عقد حميدتي في 2020 اتفاقية سلام باسم حكومة السودان مع عدة حركات مسلّحة، منها حركة العدل والمساواة. وبموجب هذه الاتفاقية، أصبح رئيس الحركة المهزومة وزيراً للمالية.

لا يتعامل قائد الدعم السريع مع التحالفات والعداوات إلا باعتبارها عتبات صعودٍ إلى مجده المُرام.

قبل المشاركة في إسقاط نظام البشير بأشهر، صرّح الرجل بدعمه لترشّح البشير للرئاسة. وتحدّى الرافضين قائلاً "ترشّح البشير فوق رأس أي أحد". وعندما اندلعت الاحتجاجات ضد نظام البشير في ديسمبر/ كانون الأول 2018، وبحسب رواية شقيق حميدتي عبد الرحيم دقلو، فإن شقيقه واجه وزير الدفاع، وقال إن القمع الذي تواجه به التظاهرات السلمية "ظلم وخيانة للشعب".

كان حميدتي قد سبق له الانقلاب على حليفه الشيخ موسى هلال، أحد الأسماء المهمّة المطلوبة للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة المشاركة في جرائم حرب في دارفور. ربما كان هلال، الذي أصبح مستشاراً للبشير، أحد العلامات التي اهتدى بها حميدتي في طموحه. من الممكن لرجلٍ بدويٍّ لم يتلق تعليماً نظامياً كافياً، ولم ينخرط في أي عملٍ سياسيٍّ في حياته، أن يصل إلى قمة السلطة ببندقيته، لكن وجود هلال بالقرب من البشير يعيق طموح حميدتي، فأطاحه. ثم شارك في إطاحة البشير نفسه. عندها، بدا أن السلطة ستذهب إلى اثنين من خصوم حميدتي، وزير الدفاع الأسبق عوض بن عوف الذي قاد المجلس العسكري لاطاحة البشير، ورئيس جهاز الأمن الأسبق صلاح قوش الذي تمرّد حميدتي على تبعية مليشياته له فجعل له البشير استقلاليةً وأتبعها لمكتبه الرئاسي مباشرة. في تصرّف سريع، أعلن حميدتي معارضته سلطة الرجلين. وانسحب بقواته من الخرطوم، ما عجّل بسقوطهما وانتقال السلطة إلى صديقه القديم عبد الفتاح البرهان. فوراً، رقى البرهان حليفه إلى رتبة فريق أول، وعينه نائباً له في المجلس العسكري. أصبح التاجر القادم من الكُفرة الليبية الرجل الثاني في الدولة.

لكن سنوات السلطة المطلقة أفسدت ما بين الرجلين خلال أربع سنوات فقط. البرهان، الذي وصف حميدتي في 2019 بالقول إن تغيير نظام البشير لم يكن ممكناً لولاه، ذهب إلى الحرب طالباً رأس حليفه. أما حميدتي الذي ظل سنوات يشكو من مطالبة القوى السياسية بالحكم المدني، فقد أعلن الحرب من أجل إنهاء الحكم العسكري وتسليم السلطة لقوى مدنية.

تدخُل حرب الخرطوم شهرها الثاني. ويحاول أمير الحرب المتمرّس أن يقدّم نفسه مقاتلاً مدافعاً عن الحرية ضد طمع العسكر في السلطة. تحوّلت لغة الرجل من البطش والتهديد، إلى الحديث عن الديمقراطية والحكم المدني. ليست لديه مشكلة في تغيير جلده، فهو يحتاج هذا الخطاب كما كان يحتاج سابقاً لتمجيد نظام البشير. فكل شيء بالنسبة له هو عتبة يخطو فوقها في الطريق إلى السلطة. لكن الرجل الذي بدأ طريقه بالحرب، يخوض الآن ما قد تكون حربه الأخيرة التي ستحمله إلى منصب الرجل الأول أو تخسف به إلى الجحيم، والاحتمال الأخير يبدو الأرجح.