أسطورة رونالدو إلى أين؟

02 يناير 2023

رونالدو في مباراة ربع نهائي مونديال قطر بين المغرب والبرتغال (10/12/2022/فرانس برس)

+ الخط -

بعد سلسلة من الأزمات واجهها النجم العالمي في كرة القدم، البرتغالي كريستيانو رونالدو، أعلن رسمياً انضمام اللاعب الأسطورة إلى نادٍ سعودي. في خطوة تسرّبت أنباؤها بعد الخروج الحزين للبرتغال من نهائيات كأس العالم. ولأن رونالدو تجاوز السابعة والثلاثين، فإن مغادرة بلاده بدّدت حلم الفوز بالبطولة الكبرى في العالم. ولا يمكن فهم انتقال كريستيانو إلى الدوري السعودي، بمعزلٍ عن صدمته تلك. والتي جسّدها انهياره وبكاؤه وهو يغادر ملعب مباراة منتخبه أمام المغرب في دور الثمانية لكأس العالم في قطر.
حصل رونالدو على الكرة الذهبية عدّة مرات، وتوّج ببطولاتٍ كثيرةٍ ومتنوّعة مع معظم الفرق التي لعب لها، ولم تفلت من بين يديه (بالأحرى قدميه) أي بطولة كروية محلية أو قارّية ولا حتى عالمية (كأس العالم للأندية). ولم تمتنع عن دولاب إنجازاته سوى بطولة كأس العالم مع منتخب البرتغال.
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: ماذا أراد رونالدو من الانضمام إلى نادٍ عربي شرق أوسطي آسيوي؟ والنسب إلى المنطقة العربية أو إلى الشرق الأوسط أو آسيا غير ذي صلة بالمدلول السياسي أو الجغرافي، وإنما بالمدلول الرياضي، أي بتوصيف هذه النطاقات أو تقييمها، حسب المعايير الرياضية، والكروية خصوصاً. فحتى الوقت الذي نظمت فيه قطر بطولة كأس العالم 2022، لم تكن الدوريات القائمة في المنطقة العربية أو القارّة الآسيوية تمثل وزناً أو قيمة كبرى في بورصة كرة القدم العالمية. الأمر الذي يجعل الميزة الكبرى، بل الوحيدة التي سيحصل عليها رونالدو، هي المقابل المالي لخدماته. ورغم ضخامة هذا المقابل، إلا أن المليونير رونالدو لا يحتاج مزيداً من الأموال، لكي يغامر بمكانته وتاريخه.
وليس من المتصوّر أن يستفيد رونالدو من تجربته الجديدة، حيث لا توجد مستويات مهارية أو بدنية قريبة من التي في ريال مدريد أو يوفنتوس أو أي نادٍ أوروبي. وبالتالي، لا تنافسية عالية تستفز قدراته وإمكاناته الاستثنائية.
البطولات المحلية هي أقصى ما يمكن لرونالدو تحقيقه مع ناديه الجديد. أما البطولات الكبرى، قارّية أو عالمية، فمستبعدة، لأن متطلباتها الرياضية ومقوّماتها الإدارية لا تتوفر في نادي النصر السعودي الذي انضم إليه رونالدو، ولا في الدوري السعودي لكرة القدم، ولا في المنظومة الرياضية السعودية ككل.
على الجانب الآخر، سيفيد رونالدو ناديه الجديد بمهاراته وسرعته وقدراته الاستثنائية، على الفوز بمزيد من البطولات المحلية. لكن ليس من الوارد، ولا من الواقعي، تخيُّل أن يُؤدي التحاقه بالكرة السعودية إلى نهضة كروية أو ارتقاء بالدوري هناك إلى مصافّ الدول الكبرى كروياً. 
الفائدة الكبرى التي يمكن تحصيلها من وراء رونالدو حالياً هي العوائد المالية لتسويقه. إضافة إلى المردود الإعلامي والمعنوي الكبير لصالح التحوّلات الانفتاحية الجارية في السعودية. بينما سيواجه رونالدو صعوباتٍ كبيرة في التكيف مع الحياة هناك، خصوصا في ظل الطابع المحافظ الذي لا يزال طاغياً على المجال العام في ذلك البلد الخليجي العربي المسلم.
لقد هجر رونالدو أجواء الاحتراف والأضواء بشكل متسرّع وغير مدروس. تحت ضغط نفسي وذهني شديد، وعلى خلفية أزماتٍ ومشكلاتٍ تعرّض لها، أخيرا، في وقت سابق على الخروج المبكّر من كأس العالم، جديدها أخيرا خلافاته مع المدرّب في ناديه السابق مانشستر يونايتد. 
ربما في ذلك تفسير ما قام به رونالدو أو قدر من فهمه، إلا أن الفهم والتفسير لا يعنيان التفهم والقبول، فما أقدم عليه النجم العالمي الاستثنائي ليس إلا رد فعل غاضبا غير متزن. لا يمكن وصفه بأقل من أنه "انتحار" كروي بامتياز. وربما نهاية لأسطورة كانت قابلة للاستمرار، لو أن رونالدو أدار تلك الفترة الصعبة في حياته بمهارته الكروية نفسها.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.