أخطر من التحريض على السوريين
تحوّل التحريض على اللاجئين السوريين في لبنان إلى "ترند". كلما أرادت الدولة الهرب من إحدى أزماتها، ارتفع منسوب الخطاب التحريضي بعدّة الشغل نفسها. تُساق كل الاتهامات للاجئين (تسميهم الدولة نازحين). يُحمَّلون مسؤولية كل مصائب لبنان؛ أزمات اقتصادية، انقطاع الكهرباء والمياه، انهيار سعر الصرف، الضغط على القطاع التعليمي.
ولكن مرحلة جديدة من التحريض تترافق مع تحرّكات رسمية أُمكنت ملاحظتها أخيرا. حملات اعتقال عشوائية تطاول السوريين، يليها ترحيلهم بحجّة عدم امتلاكهم أوراقهم الثبوتية، من دون أخذ مصيرهم بالاعتبار بعد هذه الخطوة، وسط تهليل سياسي وشعبي للخطوة. وبمجرّد انتشار دعوة إلى التظاهر أمام مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للاعتراض على هذه الممارسات، برزت دعوة مضادّة مما تُسمى "الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديمغرافي" التي يقودها مروان الخولي، الذي يشغل، في الوقت نفسه، منصب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمّال لبنان، قبل أن يتدخّل وزير الداخلية بسام المولوي ويمنع التحرّكين.
وإذا كان بعضهم دعا إلى عدم التهويل بعد المخاوف التي أثيرت من إمكانية حدوث تصادم في التحرّكين، ووضعهما في خانة "ردّ الفعل العفوي"، إلا أن ذلك يبقى مستبعداً في حالة التظاهرة المضادّة. أدبيات الحملة تختصر الكثير من خطاب الكراهية السائد ضد السوريين في لبنان حالياً. ففي حفل إطلاق الحملة قبل أيام، وبحسب ما نقلت صحيفة لبنانية، حدّد الخولي أهداف الحملة بـ"إنقاذ لبنان أرضاً وشعباً وثقافة وحضارة من خطر التغيير الديمغرافي الداهم"، قائلاً إن "الاحتلال الديمغرافي ساهم في تدمير اقتصادنا وبنيتنا التحتية وسرقة مياهنا وكهربائنا وفي تلويث أرضنا وهوائنا وثقافتنا وقيمنا". وذهب إلى أبعد من ذلك بترديد لازمة من الادّعاءات المكرّرة إن "نصف سكان لبنان اليوم من النازحين السوريين". ولم ينس بطبيعة الحال القول "لا نبالغ في توصيف هذا النزوح بالاحتلال، الذي تأسّست جذوره بفعل مؤامرة دولية ومحلية أبطالها وعملاؤها الدوليون والمحليون معروفون...".
المشكلة أن هذا الخطاب الذي يجد مساحة واسعة له في الإعلام اللبناني ليس استثناء، وإن كان الأكثر فجاجةً، إذ تصبّ مواقف أخرى، بما فيها رسمية عدّة، في الاتجاه نفسه. وقد نقل، عن وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم على سبيل المثال، موقع النشرة قبل يومين قوله إن "بعض المجموعات من النازحين مسلحة"، وإن "المجتمع الدولي يضغط لبقاء النازحين السوريين، وهو مصرّ على دمجهم في المجتمع اللبناني". وبرأيه، تجرى معالجة ملفّ السوريين في لبنان "عبر العلاقات والتواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية".
يبدو أن هذا "التنسيق" سيشهد زخماً في الفترة المقبلة، فاللجنة الوزارية اللبنانية المكلفة بمتابعة ملفّ النازحين التي اجتمعت قبل يومين لم تكتف بمنح الغطاء لهذا الأمر، بل طلبت من المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وضمن مهلةٍ أقصاها أسبوع، تزويد وزارة الداخلية والبلديات بـ"الداتا" الخاصة باللاجئين السوريين في لبنان، وإذا كان ربط طلب الداتا بـ"إسقاط صفة النازح عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية"، فإن مخاوف مشروعة تطرح بشأن كيفية التعامل مع المعلومات التي تتضمّنها. فالدولة اللبنانية اختارت مبكّراً التنصّل من مسؤولياتها في تنظيم ملف اللاجئين السوريين، وهي التي طلبت، في عام 2015، من المفوّضية التوقف عن تسجيل السوريين لاجئين لديها، وبالتالي، أوجدت فجوة كبيرة في المعلومات والأرقام، وسمحت بتفاقم ظاهرة الدخول خلسة. ولذلك يفترض أن "الداتا" التي تطلبها ليست حديثة، وهو ما يقود إلى تساؤلاتٍ بشأن توقيت طلبها والغرض منه.