25 اغسطس 2024
أبو إسماعيل لا يحب الجغرافيا
حصل أبو إسماعيل على الثانوية العامة، وسجّل في كلية الآداب، قسم الجغرافيا، بالمراسلة. كان يذهب إلى الجامعة في أيام تقديم الامتحانات فقط، وفي بقية أيام السنة كان يحصل على المناهج المقرّرة بالبريد، عبر مكتب متخصص بخدمة الطلاب الأحرار. هو ينفر من مادة الجغرافيا إلى درجة أنه، بعد تخرّجه مباشرة، ما عاد يستطيع أن يتذكّر أيَّ تفصيل من تفاصيل السنوات الست التي أمضاها في دراستها، ونسي المناهج والوقائع اليومية للدراسة، فكأنه نامَ نومات أهل الكهف، واستيقظ ليجد في حوزته شهادة الليسانس في الجغرافيا. وكان يقول لرفاقه متباهياً: أنا رجل فهلوي، ما سقطت خلال دراسة الجغرافيا غير سنتين.
ولئلا يضطر أبو إسماعيل لتدريس هذه المادة التي يصفها بأنها كئيبة، انتسب إلى حزب البعث.. هو يعرف أن الرفاق البعثيين يُكَلَّفُون بمهام إدارية، ووقتها لا يتخلص الواحد من العمل في اختصاصه وحسب، بل ويقبض تعويضاً يعادل ربع الراتب من "الحرس القومي"، لقاء تفرّغه للنضال.. ولمزيدٍ من الإغراء للقيادة الحكيمة، نشط أبو سمعو في اتحاد الطلبة، واتحاد الشبيبة، ومنظمة طلائع البعث، وكان، إلى ذلك، يشمشم أخبار الضيوف الكبار الذين يزورون محافظة إدلب، ويخرج في مواكب استقبالِهم حاملاً صورةً لحافظ الأسد، كان قد أخذها، مجاناً، من مستودع اللوازم في مديرية التربية، وألصقها على لوح مستطيل من الكرتون، وسَوَّى حاملَها عند "النجار أبو عمر" بطريقة "ساق الجَرادة"، إذ جعل حاملَها قابلاً للطي عند اللزوم، وكان يلقبها، حينما يختلي بأصدقائه الخلّص في مزرعة ابن عمه سميح على طريق "عين شيب": صورة الأسد أخمص طَيْ..
بعد أن ينتهي الرفيق أبو إسماعيل من تهيئة النارجيلة، ويصبح إبريق الشاي الثقيل جاهزاً، يبدأ رواية الحكايات عن أشخاصٍ يتقصد ذِكْرَ أسمائهم بطريقة فكاهية، فيقول، مثلاً: اليوم، يا شباب، جاءنا وفد من الشام برئاسة "أحمد القومي". يندهش أصدقاؤه ويسألونه: مين أحمد القومي؟ فيقول: هو أحمد دياب رئيس مكتب الأمن القومي. وأنا من فرحي عليه، مع أني بحياتي ما شفته، شلت "صورة الأسد أخمص طَيْ"، وطرت إلى عند فرع الحزب، ومن وقت ما نزلوا الشباب عَ الدبكة طويت الصورة، وحَطّيتا عَ جنب، وبلشت أدبك. من دون يمين، من كتر ما دبكت وقمزت، صار العرق يجري من جسمي كله.
أخذ أبو إسماعيل سحبة طويلة من النارجيلة، واحتسى وراءها رشفةً متأنيةً من كأس الشاي، وقال، كما لو أنه حكيم يلقي موعظةً على مريديه: التخلص من تدريس الجغرافيا ما هو أمر هين يا شباب... فضحك الندماء، وقال أبو صلاح بجدّية تامة: العبرة من هذه الحكاية أن التخلص من تدريس الجغرافيا يجعل الجسم يتعرّق.
خلال سنوات الدراسة، كان حضور أبي إسماعيل النضالي ملفتاً لأنظار القيادات. لم يكن نشاطه يقتصر على حمل "صورة الأسد أخمص طَيْ"، والركض بها لاستقبال أحمد القومي، وصفوان الاشتراكي، وعلي عقلة العرب، وعبد الرؤوف الوزراء، ومحمد نجيب التربية، وصابر الصحفيين، وأحمد أبو معسكر، بل إنه ذهب إلى الخطاط، وطلب منه أن يعلّمه الخط العربي، وقليلاً من الرسم الزيتي، بما لا يتعدّى مهارة رسم أبواب الحجاج، وصار كلما رأى جداراً فارغاً يطليه بـ "زومين" من الدهان، ويرسم عليه علم البعث، ويكتب أحد شعارات الحزب القائد، ويضيف عبارةً ملخصُها أنه لولا القيادة التاريخية لحافظ الأسد لكان هذا حزب البعث لا يساوي قشرة بصلة.
لم يقف أبو سمعو مع الثورة. وعلى الرغم من إقامته الطويلة في ساحات الخطابات والدبكة، فهو لم يكن معادياً للثورة، وحينما حذّره صديقه أبو صلاح من انتقام الثوار، فيما لو أصبحت لهم شوكة، قال له، بلامبالاة: لا تخف، كل أهل البلد بيعرفوا إني كنت أدبك حتى ما أدرّس جغرافيا.
ولئلا يضطر أبو إسماعيل لتدريس هذه المادة التي يصفها بأنها كئيبة، انتسب إلى حزب البعث.. هو يعرف أن الرفاق البعثيين يُكَلَّفُون بمهام إدارية، ووقتها لا يتخلص الواحد من العمل في اختصاصه وحسب، بل ويقبض تعويضاً يعادل ربع الراتب من "الحرس القومي"، لقاء تفرّغه للنضال.. ولمزيدٍ من الإغراء للقيادة الحكيمة، نشط أبو سمعو في اتحاد الطلبة، واتحاد الشبيبة، ومنظمة طلائع البعث، وكان، إلى ذلك، يشمشم أخبار الضيوف الكبار الذين يزورون محافظة إدلب، ويخرج في مواكب استقبالِهم حاملاً صورةً لحافظ الأسد، كان قد أخذها، مجاناً، من مستودع اللوازم في مديرية التربية، وألصقها على لوح مستطيل من الكرتون، وسَوَّى حاملَها عند "النجار أبو عمر" بطريقة "ساق الجَرادة"، إذ جعل حاملَها قابلاً للطي عند اللزوم، وكان يلقبها، حينما يختلي بأصدقائه الخلّص في مزرعة ابن عمه سميح على طريق "عين شيب": صورة الأسد أخمص طَيْ..
بعد أن ينتهي الرفيق أبو إسماعيل من تهيئة النارجيلة، ويصبح إبريق الشاي الثقيل جاهزاً، يبدأ رواية الحكايات عن أشخاصٍ يتقصد ذِكْرَ أسمائهم بطريقة فكاهية، فيقول، مثلاً: اليوم، يا شباب، جاءنا وفد من الشام برئاسة "أحمد القومي". يندهش أصدقاؤه ويسألونه: مين أحمد القومي؟ فيقول: هو أحمد دياب رئيس مكتب الأمن القومي. وأنا من فرحي عليه، مع أني بحياتي ما شفته، شلت "صورة الأسد أخمص طَيْ"، وطرت إلى عند فرع الحزب، ومن وقت ما نزلوا الشباب عَ الدبكة طويت الصورة، وحَطّيتا عَ جنب، وبلشت أدبك. من دون يمين، من كتر ما دبكت وقمزت، صار العرق يجري من جسمي كله.
أخذ أبو إسماعيل سحبة طويلة من النارجيلة، واحتسى وراءها رشفةً متأنيةً من كأس الشاي، وقال، كما لو أنه حكيم يلقي موعظةً على مريديه: التخلص من تدريس الجغرافيا ما هو أمر هين يا شباب... فضحك الندماء، وقال أبو صلاح بجدّية تامة: العبرة من هذه الحكاية أن التخلص من تدريس الجغرافيا يجعل الجسم يتعرّق.
خلال سنوات الدراسة، كان حضور أبي إسماعيل النضالي ملفتاً لأنظار القيادات. لم يكن نشاطه يقتصر على حمل "صورة الأسد أخمص طَيْ"، والركض بها لاستقبال أحمد القومي، وصفوان الاشتراكي، وعلي عقلة العرب، وعبد الرؤوف الوزراء، ومحمد نجيب التربية، وصابر الصحفيين، وأحمد أبو معسكر، بل إنه ذهب إلى الخطاط، وطلب منه أن يعلّمه الخط العربي، وقليلاً من الرسم الزيتي، بما لا يتعدّى مهارة رسم أبواب الحجاج، وصار كلما رأى جداراً فارغاً يطليه بـ "زومين" من الدهان، ويرسم عليه علم البعث، ويكتب أحد شعارات الحزب القائد، ويضيف عبارةً ملخصُها أنه لولا القيادة التاريخية لحافظ الأسد لكان هذا حزب البعث لا يساوي قشرة بصلة.
لم يقف أبو سمعو مع الثورة. وعلى الرغم من إقامته الطويلة في ساحات الخطابات والدبكة، فهو لم يكن معادياً للثورة، وحينما حذّره صديقه أبو صلاح من انتقام الثوار، فيما لو أصبحت لهم شوكة، قال له، بلامبالاة: لا تخف، كل أهل البلد بيعرفوا إني كنت أدبك حتى ما أدرّس جغرافيا.