"عودة نتنياهو"... أردنيّاً
يترقّب مطبخ القرار في عمّان من كثب نتائج الانتخابات الإسرائيلية الوشيكة. ولعلّ ما يثير القلق، أنّ نتائج الاستطلاعات هناك تشير إلى احتمالية عودة رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، الذي يمثّل سيناريو مزعجاً للأردن، ومؤذناً بالعودة إلى مربّع التوترات والأزمات، بعد أن تطوّرت العلاقات السلبية بين نتنياهو والقيادة الأردنية إلى مرحلة متقدّمة في أواخر عهد نتنياهو، بالتزامن مع إدارة الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنير.
وبالعودة إلى الشهور الأخيرة، منذ قرار حلّ الكنيست والانتخابات المبكّرة، أبدى مطبخ القرار في عمّان اهتماماً كبيراً في الانتخابات ونتائجها، وكانت هنالك دعوات غير رسمية ولا مباشرة لتغيير المزاج السياسي العربي في "إسرائيل" لزيادة نسبة الأصوات، وإضعاف فرص عودة نتنياهو، والتأثير بقوى مؤثرة وشخصيات رئيسية، مثل زعيم الحركة الإسلامية في أراضي الـ48، رائد صلاح. لكن استطلاعات الرأي تشير إلى استمرار حالة المقاطعة وفقدان الأمل لدى نسبة كبيرة من فلسطينيي الـ48 بأي تغيير يُذكر في الانتخابات المقبلة، وبالتالي استمرار حالة العزوف لدى شريحة معتبرة منهم.
وبالرغم من قناعة الأردن الرسمي بأنّ هنالك انجرافاً واضحاً في المشهد الإسرائيلي بالكلية نحو اليمين، وأنّ المفاضلة اليوم هي بين السيئ والأسوأ، أو اليمين واليمين المتطرّف؛ وأنّ السياسات الإسرائيلية تقوم، بصورة عامة، على إنهاء أي أمل بحلّ الدولتين، وبأنّ هنالك مساراً استراتيجياً يقوم على تهويد القدس وتعزيز الهوية اليهودية للكيان الإسرائيلي، ثمّة وجهتا نظر في أوساط السياسيين الأردنيين، ترى الأولى أنّه لا فرق بين نفتالي بينت ويئير لبيد من جهة، ونتنياهو من جهةٍ أخرى، فكلاهما يقف في خندق يميني، وليست لديه أي نية لتحقيق السلام، والرهان على أيّ تغيير أو أمل بمثابة رهان خاسر وإهدار للوقت، وأنّ ما قاله لبيد في الأمم المتحدة لا يتجاوز الكلام المعسول Lips Service. وترى وجهة النظر الأخرى أنّ الأمور نسبياً مختلفة، سواء على صعيد القضية الفلسطينية، أو حتى على صعيد العلاقات الأردنية - الإسرائيلية، فلبيد أفضل بكثير من نتنياهو على الجهتين.
وبالعودة إلى وجهة النظر، في أوساط القرار الأردني، التي تفضّل بقوة لبيد أو نفتالي بينت على عودة نتنياهو، يمكن الإشارة إلى ثلاثة أسباب رئيسية: الأول، العداء الشخصي بين نتنياهو والقيادة الأردنية، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح خلال حكومته الأخيرة، وفي التصريحات المتبادلة والديبلوماسية المتضادّة بين الدولتين. الثاني، عودة نتنياهو مع وجود كوشنير في المنطقة ونشاطه المستمر، بغطاء تجاري ومالي، حتى بعد إدارة ترامب، قد تعزّز عودة جزئية إلى المناخ الذي شعر فيه الأردن بالحصار والضغوط الشديدة، في مرحلة ترامب، مع التفاهمات الإقليمية والدولية التي مهّدت الطريق إلى الاتفاقيات الإبراهيمة. وللتذكير، تزامنت تلك الأمور مع "أزمة الأمير حمزة"، التي أشارت التسريبات الأردنية حينها إلى وجود أيادٍ إقليمية خفية فيها. الثالث، أنّ لبيد لا يكنّ عداءً للأردن، بل على النقيض من ذلك، شهدت العلاقات الأردنية - الإسرائيلية تحسّناً وعودة إلى قنوات الحوار والنقاش بعد رحيل نتنياهو. وبالتالي، لا يوجد قلق أردني من أجندة لدى الحكومة ضد الأردن، ولديه رغبة أكبر في إعادة فتح ملف التسوية السلمية، وإطلاق المفاوضات من جديد كما يأمل مطبخ القرار في عمّان، ما يساعد على تخفيف الاحتقانات الحالية واستعادة الأمل.
وأيّاً كانت النتيجة في الانتخابات الإسرائيلية، يتمثّل التحدّي الحقيقي بالنسبة إلى السياسات الأردنية بعدم وجود نيةٍ لأي طرفٍ إسرائيلي للمضي نحو دولة فلسطينية كاملة السيادة، وضعف القيادة الفلسطينية، وبروز إرهاصات الانتفاضة بصيغة مختلفة وجديدة، ذات طابع شبابي عابر للفصائل، كما حدث أخيراً، وهو ما يدفع الحسابات الأردنية إلى تجاوز حالة الترقب للانتخابات الإسرائيلية لمراجعة المقاربة بأسرها، والقيام باستدارات ومراجعات ترتبطان بموازين القوى والدور الأردني المنشود في حماية المصالح الأردنية والفلسطينية المشتركة.