"حماس" والنظام السوري: السياسة أم الأيديولوجيا؟
نشأت حركة حماس في ظل مناخ وطني فلسطيني، كانت انتفاضة الحجارة فيه القلب النابض لشعبٍ يأبى الاستسلام لمحتلٍّ سلب أرضه، فكانت الحركة بمثابة تجسيدٍ وانعكاس لهذه الإرادة الشعبية المقاومة. وبعد استشهاد مؤسس الحركة، أحمد ياسين، عام 2004، وبسبب خضوع قطاع غزة للاحتلال الإسرائيلي، قرّر قادة الحركة إيجاد قاعدة لهم في الخارج، فاختيرت الأردن في تسعينيات القرن الماضي، لكن العلاقة بين الطرفين لم تستمر طويلاً، فبدأت قيادات الحركة تتجه إلى دمشق.
وفر النظام السوري لحركة حماس ما لم تستطع أية دولة عربية تحقيقه، لجهة الغطاء السياسي والأمني والعسكري، فكانت الحركة في سورية في معزل عن أيّ ضغوط سياسية، حتى عندما وصلت الضغوط الأميركية إلى حد مطالبة وزير الخارجية الأميركي، كولن باول، عام 2003، دمشق بإغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية وإخراجهم من سورية.
غير أنّ العنف القاسي الذي نفذه "النظام الثوري" بحق المتظاهرين أحدث شرخاً حادّاً في وعي الحركة التي وجدت نفسها بين أمرين، سياسي وآخر أيديولوجي: إما أن تقف إلى جانب النظام السوري في قمعه لشعبه وتتخلى عن أيديولوجيتها ومبادئها بوصفها حركة مقاومة داعمة للشعوب المظلومة، أو تقف إلى جانب الثورة، وتخسر حليفاً استراتيجياً هي في أشدّ الحاجة له في سياستها النضالية ضد المحتل الإسرائيلي.
قرار حماس إعادة علاقاتها مع النظام السوري صعب ومربك للقاعدة الشعبية للحركة في فلسطين وخارجها
اتخذت "حماس" قرارها بالوقوف إلى جانب الثورة، لكنّ اللافت أنّ موقفها جاء سريعا بعد أسبوعين من اندلاع المظاهرات، أي في الثاني من إبريل/ نيسان عام 2011، حين أعلنت، في بيان لها، أن "ما يجري في الشأن الداخلي يخصّ الإخوة في سورية، إلا أننا انطلاقا من مبادئنا التي تحترم إرادة الشعوب العربية والإسلامية وتطلعاتها، نأمل تجاوز الظروف الراهنة، بما يحقق تطلعات وأماني الشعب السوري، وبما يحفظ استقرار سورية وتماسكها الداخلي، ويعزز دورها في صف المواجهة والممانعة".
هل كان هذا الموقف المبكر ناجماً عن ضغوط خارجية مورست على الحركة من جماعة الإخوان المسلمين ومن دول خليجية، أم أنّ قادة الحركة اعتقدوا أنّ مصير النظام السوري سيكون كمصير النظامين التونسي والمصري، أم أنها قرّرت الخروج من سورية بعيد الضغوط الكبيرة التي مارسها النظام عليها لإعلان موقفٍ مؤيد له؟ ومع أن الإجابة على هذه الأسئلة تبقى صعبة، وبالتالي معلقة، فإنّها في المقابل تفرض اليوم طرح أسئلة مقابلة: لماذا قرّرت حركة حماس إعادة علاقتها مع النظام السوري بعد عشر سنوات من القطيعة؟
مع صعود الجناح العسكري في الحركة عام 2017 من جهة، وتغيّر الواقع العسكري والسياسي في سورية من جهة ثانية، بدأت تظهر أصواتٌ في الحركة تطالب بإعادة ترميم العلاقة بين الحركة والمحور الإيراني السوري... أولى الرسائل جاءت من قائد "حماس" في قطاع غزة، يحيى السنوار، عام 2017، حين أطرى على الدعم الذي تقدّمه إيران للحركة، ثم استتبع هذا التطور بزيارة وفد من الحركة إلى طهران في العام ذاته. وفي تلك المرحلة، لم يكن القرار قد اتخذ للانفتاح على النظام السوري، وهو ما عبّر عنه عام 2019 القيادي في الحركة في الضفة الغربية، نايف الرجوب: "العلاقات مع النظام السوري لن تعود، والنظام السوري الحالي لم يعد له أي وزن أو قيمة، ومن الخطأ التعويل عليه أو التقرب منه". لكنّ هذا التيار بدأ يتراجع لصالح الانفتاح على النظام السوري، وكانت إشادة أسامة حمدان في 21 مايو/ أيار 2021، بموقف بشار الأسد الداعم للمقاومة الفلسطينية، مؤشّراً على التغيير.
أغلب الظن أنّ "حماس" تعرّضت لضغوط من طهران التي تريد ترتيب كلّ أوراقها الإقليمية
تبقى أسئلة، بعضها مركزي، يطرحها المراقبون: ما هي الاستفادة الاستراتيجية لحركة حماس من تطبيع العلاقة مع النظام السوري المتهالك؟ هل توسّع عمليات التطبيع العربي مع إسرائيل وراء إعادة الحركة تثبيت علاقتها بما يسمّى "محور المقاومة"؟ أم أنّ لعودة العلاقات بين تركيا من جهة وكلّ من إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات من جهة ثانية، دورا في ذلك؟ أم أنّ الحركة تتعرّض لضغوط من إيران عبر ربط المساعدات العسكرية والمالية لها بإعادة علاقتها مع دمشق؟
لا إجابات واضحة من قادة الحركة، فالقرار صعب ومربك للقاعدة الشعبية للحركة في فلسطين وخارجها. لكنّ أغلب الظن أنّ الحركة تعرّضت لضغوط من طهران التي تريد ترتيب كلّ أوراقها الإقليمية، خصوصاً في الساحة الفلسطينية، مع تزايد التوتر بينها وبين وإسرائيل، وما نشأ أخيراً من بوادر تحالف أمني عربي إسرائيلي لمواجهة إيران.
سؤالان آخران: ما الفائدة التي ستجنيها إيران من عودة العلاقة بين "حماس" والنظام السوري؟ أليس من الأفضل لطهران من الناحية السياسية أن تمسك بورقة المقاومة الفلسطينية لوحدها فقط؟ من الناحية اللوجستية، تبقى الجغرافيا السورية المكان الأنسب لتأمين عمليات الدعم العسكري للحركة، مع وجود فصائل فلسطينية أخرى مستقرّة في سورية، مثل حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ـ القيادة العامة؟
ولا يغيب عن البال أن ثمّة هدفاً آخر متمثلاً بإعادة ربط النظام السوري بالمقاومة الفلسطينية، بعدما فقد شرعيته المحلية والشرعية التي طالما أكد عليها حاملاً للعمل المقاوم ضد إسرائيل.