"جوقة عزيزة" وتسويق الابتذال

11 ابريل 2022
+ الخط -

قد يكون من السابق لآوانه الحكم على سوية مسلسلات موسم رمضان الحالي، وقد باتت الغزارة الخانقة لإنتاج هذه المسلسلات منذ سنوات تقليدا متبعا في أعرافنا الرمضانية، إلى درجة أن المشاهد العربي قد يحتاج إجازة مفتوحة من العمل والحياة الخاصة والعلاقات والمسؤوليات إذا ما أراد متابعة سيل الدراما المتدفق بلا حساب أو ضوابط، ولن يفلح مهما حاول إيجاد الوقت الكافي، فاليوم محدد بأربع وعشرين ساعة فقط. ولكن، من الممكن قراءة المكتوب من عنوانه كما يُقال، فثمّة سباق محموم بين صنّاع الدراما على استقطاب أكبر عدد من المشاهدين تعويضا لخسائر مادية بعد الانقطاع القسري جرّاء كورونا. وإذا ما اسثنينا بعض الأعمال الجادّة رفيعة المستوى، نخلص إلى أن الملمح الأساسي في أعمال كثيرة في الموسم الحالي هو الابتذال والمشاهد الفجّة، المقحمة بذريعة الجرأة، واللغة الخشنة والنصوص الركيكة والحبكة المفتعلة التي تستهين بذكاء المتلقي. ولعل مسلسل "جوقة عزيزة" مثال على هذه التركيبة غير الموفقة في إقناع المتلقي وإيقاعه فنيا في الوهم كما ينبغي للعمل الفني أن يفعل. المسلسل الذي أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي من إخراج تامر إسحاق وتأليف خلدون قتلان. وتدور أحداثه في ثلاثينيات القرن الماضي، إبّان الاحتلال الفرنسي لسورية. ويتناول سيرة حياة الراقصة عزيزة خوخة، ويتطرّق إلى سوق البغاء الذي كان مشرّعا، قبل أن يُصدر جمال عبد الناصر قرارا بتجريمه في مصر وسورية في أثناء الوحدة بينهما. ويشترك في التمثيل نخبة من نجوم الدراما السورية.
قال مهاجمو "جوقة عزيزة" من المحافظين إنه يشوّه تاريخ سورية، واتهموه بالإساءة إلى سمعة نسائها، فيما ذهب المتحمّسون له بأنه يوثّق بأمانة، ومن دون ادّعاء طهرانية ونقاء، ملامح تلك المرحلة. تطلّ علينا الممثلة السورية، نسرين طافش، في المسلسل نجمة مطلقة على طريقة نادية الجندي في أفلامها التجارية في الثمانينيات، حيث المكياج الثقيل والكشف قدر الإمكان عن مفاتن الجسد، والاستعراضات غير الفنية المعتمدة على الغُنج والدلال واللغة السوقية ورداءة الأداء. ويتحمّل المخرج وفريقه مسؤولية هذا الإسفاف والانحدار الفني الفادح. ما يثير العجب، على وجه الخصوص، موافقة نجم كبير، هو سلّوم حداد، على تأدية دور السنّيد، وقد ظهر اسمه على التتر بعد اسم الممثلة الصاعدة، وفي هذا تنازل كبير وتضحية بتاريخ حافل بأدوار هامة عديدة. ليست المشكلة في أنه يؤدّي دور طبّال في فرقة موسيقية، فقد فعلها من قبل أحمد زكي في فيلم "الراقصة والطبّال" إلى جانب نبيلة عبيد، فأبدع وتجلّى وأبهر المشاهد بقدرته الفائقة على تقمّص الشخصية والحفر عميقا في دواخلها، والتعبير عن خيبتها ووجعها وانهيارها، فيما جاء أداء سلّوم باهتا وسطحيا وركيكا، بل ومهينا لمسيرته الإبداعية. ومن حيث المضمون، يجنح العمل إلى المبالغة والفجاجة وتدنّي الذوق. لا أحد ينكر أن تجارة الجنس قائمة منذ القدم، وفي بيئات محافظة ومتزمتة، غير أن تناول هذا في العمل الفني يتطلب من القائمين عليه ذكاءً ومهارة وحساسية خاصة، كي لا يسقط في مطبّ الرخص والابتذال المجاني، سعيا إلى تحقيق أعلى نسب مشاهدة.
ويبقى مسلسل "جوقة عزيزة" نموذجا صارخا عن كمية الاستسهال والاستهانة بذائقة المتلقي لدى صناع الدراما، وهم غير المنتبهين إلى أن المتلقي تجاوز مرحلة الانشداد إلى عمل فني ما بسبب فتنة بطلة العمل، وصار أكثر نضجا وانتقائية، بحيث لا تمرّ عليه هذه الحيل المكشوفة بتركيبتها المتوقعة، حيث حشد من النساء الجميلات وصراع ساذج مفتعل بين الشخصيات وانتصار متوقع للخير في نهاية الحلقة الثلاثين. وبهذا المعنى، لا يتعدّى أن يكون "جوقة عزيزة"، في أحسن الأحوال، نسخة أخرى سيئة من "باب الحارة".

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.