مضى عامٌ في كشمير، المنطقة المضطربة منذ عقود طويلة بين الهند وباكستان، وإحدى المناطق الأكثر عسكرة في العالم، والأجمل في طبيعتها، منذ أن أعلنت نيودلهي إلغاء الحكم الذاتي لإقليم جامو وكشمير، في الخامس من أغسطس/آب الماضي. عامٌ بأكمله، لم يعد بالإمكان الحديث فيه عن صراعٍ ثنائي حول المنطقة المتنازع عليها، بعد الدولتين النوويتين الآسيويتين، بل ثلاثي الأبعاد، مع دخول الصين على خطّ استعراضٍ للقوة، هو الأقوى منذ فترة طويلة في إقليم لاداخ، وفي ظلّ انكفاء باكستاني عن الدخول في مواجهة مفتوحة، بانتظار ما قد يفضيه "اللعب على الوقت".
لكن واقع الحال في كشمير أن شيئاً لم يتغير في حسم النزاع دبلوماسياً وقانونياً، لا سيما على صعيد دولي، ولا حتى من خلال مقاربة عسكرية لأطراف الصراع. في الوقت ذاته، لم يتبدل كثيراً، أو أبداً، مزاج الكشميريين، الداعين للانفصال أو الانضمام إلى باكستان، كما لم تؤد مغامرة مودي، إلى تخفيض مستوى العنف، الذي ظلّ يغلف كشمير كـ"بؤرة عنفٍ مسلمة"، في أذهان الشعب الهندي، وفق ما خطّط له السياسيون، حتى أولئك الذين سبقوا القوميين. هذه الإشكاليات، التي بنى عليها مودي قراره العام الماضي، وهو كان أحد تعهدات حزبه الانتخابية، ليتخذ قرار إعلان ضمّ كشمير، قد تكون بقيت على حالها، أو زادت، في وقت يعزز فيه استمرار "بهاراتيا جاناتا" في الحكم، عسكرة المنطقة، وأجندة القوميين الهندوس الداخلية، والتي من أبرز عناوينها التضييق على المسلمين. هذا التضييق، تتحدث منظمات حقوق الإنسان، أنه بلغ أوجه منذ عام، مع إطلاق حملة قمعية شديدة في كشمير الهندية، حوّلتها إلى سجن كبير، مع آلاف المعتقلين ونشر أكثر من 900 ألف جندي، وقوات خاصة، وقطع الإنترنت، فضلاً عن الإجراءات التي تؤكد العزم على إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة، وسط ضوء أخضر أميركي أكيد، وفي رسائل استعراض قوة هندية أمام باكستان والصين.
وعود رئيس الحكومة الهندية بـ"الازدهار" لكشمير، جاءت بنقيضها
ويشير ذلك، على الرغم من قلة المكاسب التي جناها مودي، وضعف الحماسة للاستثمار في المنطقة، حتى من قبل غير المسلمين، إلى أن وعود رئيس الحكومة الهندية بـ"الازدهار" لكشمير، جاءت بنقيضها، وأن الخطوة ما كانت إلا انعكاس لتطور تحالفات الهند الدولية في السنوات الماضية، وتطوير قدرات عسكرية، جعلتها تثق بوقوفها نداً في وجه أي تحرك عسكري على الحدود، ما منحها الضوء الأخضر للتحدي، وما سيبقي المنطقة بؤرة توتر عالية على المدى المفتوح.
وفرض آلاف الجنود الهنود حظر تجول في كشمير، أمس الثلاثاء، مع وضع أسلاك شائكة وحواجز معدنية لإغلاق الطرقات، قبل يوم من الذكرى السنوية الأولى لإلغاء نيودلهي الحكم الذاتي في المنطقة، والذي فرضه مودي واعداً بالسلام والازدهار بعد عقود من العنف الذي أدى الى مقتل عشرات آلاف الأشخاص. وأعلن مسؤولون أول من أمس الإثنين، "حظر تجول تام" ليومين، متحدثين عن ورود تقارير استخبارية تشير الى تظاهرات مرتقبة في هذه المنطقة التي تعد 7 ملايين نسمة، غالبيتهم من المسلمين، بعدما دعا السكان إلى إعلان الذكرى "يوماً أسود". وعلى مدى اليومين الماضيين، جابت آليات الشرطة مدينة سريناغار، الأبرز في المنطقة، فيما استخدم عناصرها مكبرات الصوت، لإبقاء السكان في المنازل. وكانت المنطقة خاضعة أصلاً لقيود شديدة، لكبح تفشي فيروس كورونا، تشمل الحدّ من الأنشطة والتنقلات.
ومنذ تاريخ الخامس من أغسطس 2019، لم تتوان الهند عن تنفيذ حملة قمعية شديدة في شطرها الكشميري، مع وضع حوالي 7 آلاف شخص قيد الحجر، بينهم مسؤولون سابقون، وحتى داعمون لمودي، لتصبح كل كشمير "عدوة"، فيما لا يزال مئات الأشخاص قيد الإقامة الجبرية، أو خلف القضبان، منذ اعتقالات في أغسطس الماضي، ومعظمهم من دون توجيه التهم إليهم. وترافق ذلك مع تصاعد العنف، ما أدى إلى صعوبات اقتصادية في المنطقة، تفاقمت مع كورونا، وعززت نقمة الغالبية المسلمة على الحكومة الهندوسية. وجاء ذلك خصوصاً على خلفية منح حقّ شراء الأراضي، الذي كان سابقاً محصوراً بأبناء كشمير، لعشرات آلاف الأشخاص من خارجها، ما أجّج الخشية من سعي الهند إلى تغيير الواقع الديمغرافي للمنطقة. ولا تزال أعلى محكمة في كشمير، تنتظر عقد جلسة لبحث مسألة دستورية "قانون إعادة التنظيم لجامو وكشمير" الذي مرّره مودي، وكذلك النظر في مجموعة من العرائض قدمت بشأن اعتقال قياديين سياسيين، وسحب خدمة الإنترنت، وسوء استخدام قوانين مرّرت خلال عام، لتشريع "الاعتقال الوقائي".
وقال مييناكشي غانغولي، من منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "تأكيدات الحكومة الهندية بأنها مصممة على تحسين حياة الكشميريين، بقيت واهية بعد سنة على تجريد جامو وكشمير من وضعها الدستوري"، لافتاً إلى أن السلطات "أبقت بدلاً من ذلك على قيود قاسية على الكشميريين تنتهك حقوقهم الأساسية". وتشير منصة "ساوث آسيا بورتال" المتتبعة لأعمال العنف والإرهاب، إلى أن وتيرة العنف ارتفعت في جامو وكشمير منذ أغسطس الماضي، بعدما كانت شهدت انخفاضاَ منذ بداية العقد الحالي، بلغ أوجه عام 2012.
وتيرة العنف ارتفعت في جامو وكشمير منذ أغسطس الماضي، بعدما كانت شهدت انخفاضاَ منذ بداية العقد الحالي
وإذا كان مرد تقلص العنف خلال العقد الماضي، عائداً إلى عوامل شتى، منها انشغال باكستان في أزمات داخلية، وبالمسألة الأفغانية، ورغبتها بالحفاظ على الوضع القائم وخفض مستوى التوتر، وكذلك تراجع "الجهاد الأفغاني" الذي كان يغذي أنشطة الانفصاليين والحركات المسلحة في الإقليم، في لعبة الحرب بالوكالة بين البلدين، إلا أن صمتها حالياً حيال الخطوة الهندية، يفتح الباب لعدد من التكهنات، حول أوراق القوة التي تمتلكها في داخل كشمير وخارجها، وكذلك إمكانية وجود تفاهم غير معلن مع الصين، التي تسعى دائماً لتعزيز وجودها في منطقة الهيمالايا، لجعل الأخيرة في واجهة التصعيد الحدودي. وبحسب موقع "ذا واير" الهندي، المعروف بمعارضته لـ"بهاراتيا جاناتا"، فإنه "من السهل إلقاء اللوم على باكستان تغذية العنف في الولاية، لكن الحقيقة أن تاريخ 5 أغسطس الماضي، رفع وتيرة الانتساب في كشمير إلى الحركات المسلحة الانفصالية، أما بالنسبة إلى باكستان، فهي تمارس لعبة الانتظار".
وكتب موقع "ذا ديبلومات"، إن "سياسة باكستان حول كشمير، لطالما كانت مزيجاً من الحوار الثنائي والمقاربة العسكرية، لكن فقط بعد سحب مودي المادة 370 من الدستور الهندي (التي تمنح كشمير الهندية الحكم الذاتي)، عادت القضية للواجهة، بعدما بدأ رئيس الحكومة الباكستانية عمران خان ولايته باهتمام قليل للمسألة الكشميرية". وحذرت إسلام آباد مع بداية الأزمة من "حمام دم"، ثم طالب خان، الذي نقل المسألة إلى المحافل الأممية، بتدخل دولي، وحظي بدعم وموقف مساند من دول عدة، على رأسها الصين، وتركيا وماليزيا، فيما اتخذت السعودية والإمارات موقفاً "محايداً". وفيما عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوساطة، أجمع المحللون، في ظلّ إخفاق التوجه الدبلوماسي لإسلام آباد (ما عدا حادثة تبادل إعلان إسقاط طائرات)، على أن الولايات المتحدة استبدلت باكستان بالهند كشريكها الاستراتيجي في المنطقة، لتبقى إسلام آباد، التي سادت بينها وبين واشنطن خلافات أفغانستان، "شريكاً تكتيكيا".
(العربي الجديد)