طاولت الحرب المستمرة بين القوات العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مدنا عدّة في العراق، مخلّفة آلاف المنازل والوحدات السكنية المدمّرة بالكامل. فزالت أحياء بكاملها وكذلك قرى وبلدات نتيجة العمليات العسكرية.
لم تتوقف عجلة التدمير حتى اليوم، وقرى وبلدات عدّة ما زالت تترقّب مصيراً يشبه مصير تلك التي سبقتها. ويتمدّد الدمار في العراق إلى المجهول، فيما يصارع النازحون لمعرفة مصيرهم ولا يجد العائدون إلى المدن المحرّرة من داعش ممن دمّرت منازلهم، بديلاً للسكن. وهذا ما يجعل رحلة النزوح القاسية، تمتد إلى أجل غير مسمّى بحسب مراقبين.
تذكر تقارير مسرّبة أنّ ما بين 80 و100 ألف منزل ووحدة سكنية دمّرت بالكامل في الأنبار وكركوك وتكريت وبيجي وديالى وحزام بغداد، نتيجة العمليات العسكرية والإرهابية. هذا ما يشير إليه المهندس حازم العبيدي، قائلاً إنّ "هذه التقديرات الأولية تعني مبالغ هائلة لإعادة الإعمار، بهدف توفير سكن ملائم للنازحين لدى عودتهم إلى مدنهم المحررة".
يضيف العبيدي لـ"العربي الجديد" أنّ "التقديرات الأولية للمبالغ اللازمة لإعادة الإعمار قد تصل إلى نحو خمسة مليارات دولار أميركي إذا علمنا أنّ كلفة إعادة بناء أصغر وحدة سكنية لا تقلّ عن 60 مليون دينار عراقي (أكثر من 51 ألف دولار). وهذا المبلغ يمثّل الحدّ الأدنى من تكلفة البناء، ما عدا الخدمات الأخرى". ويتابع: "إذا أضفنا خدمات إيصال الماء والكهرباء وتبليط الشوارع المدمّرة إلى ترميم وإعادة إعمار المنازل والوحدات السكنية، فإنّ المبلغ سوف يتزايد بأضعاف من دون شكّ، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد، الأمر الذي يتطلب تدخلاً دولياً للمساعدة في بنائها".
يقول مراقبون وناشطون إنّ العدد الكبير من المنازل المدمّرة في مدن المناطق الساخنة، سوف يتسبب في إطالة مدّة النزوح لسنوات أخرى مقبلة، إذ فقد عشرات آلاف النازحين أماكن سكنهم في مدنهم المحررة. ويؤكّد الناشط المدني صفاء الجبوري أنّ "100 ألف منزل ووحدة سكنية على أقلّ تقدير مدمّرة بالكامل، ما يعني استمرار تشريد أكثر من 500 ألف عراقي إذا افترضنا أنّ متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة هو خمسة أفراد فقط. وهذا في حال عودة جميع النازحين إلى مناطقهم المحررة". يضيف الجبوري لـ "العربي الجديد" أنّ "العام المقبل ربما يشهد ارتفاع هذا العدد إلى أكثر من مليون عراقي يستمرّ نزوحهم إلى حين إيجاد حلّ لأزمة السكن التي تخلفها الحرب على داعش في المناطق المحررة، مع استمرار المعارك في مدن وبلدات أخرى ما زال التنظيم يسيطر عليها".
من جهتها، أصدرت الأمم المتحدة تقريراً ضمّ إحصائية لعدد المباني والمنازل المدمّرة في مدن ساخنة استعادتها القوات العراقية من قبضة تنظيم داعش. والتقرير الذي صدر في يونيو/ حزيران الماضي، كشف تدمير خمسة آلاف و700 مبنى في الرمادي، مركز محافظة الأنبار، مذ بدأت العمليات العسكرية مطلع عام 2014. وهي المدينة الأكثر تضرراً بين مدن البلاد. أضاف التقرير أنّ نحو 25 في المائة من سكّان الرمادي العائدين إلى مدينتهم من النزوح، وجدوا أنفسهم في العراء بعدما عثروا على منازلهم وقد دمّرت بالكامل، ووصلت نسبة الدمار إلى 90 في المائة في أحياء البكر والعادل والأندلس والحوز والأرامل في الرمادي.
وكانت صور جوية التقطتها الأقمار الصناعية ونشرتها الأمم المتحدة في وقت سابق، قد بيّنت تعرّض خمسة آلاف و700 مبنى بالإضافة إلى ألفَي منزل للدمار الكامل في الرمادي فقط، والحال نفسها تنطبق على مدن بيجي وتكريت وأطراف الموصل وكركوك وديالى وحزام بغداد، إنما بنسب متفاوتة.
تجدر الإشارة إلى أنّ مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين تعرّضت لدمار شبه كامل نتيجة العمليات العسكرية بين القوات العراقية وتنظيم داعش، وهو ما أقرّ به مسؤولون حكوميون. ولا تختلف الحال في مدن تكريت وبلداتها وقراها وديالى وبلدات أطراف كركوك والموصل وحزام بغداد وجرف الصخر.
ومع بدء العدّ التنازلي لعودة النازحين إلى مناطقهم مع سيطرة القوات العراقية على معظم المدن التي كانت في قبضة تنظيم داعش، لن يتمكّن من العودة عشرات الآلاف بعد تدمير مساكنهم، الأمر الذي يجعل الحكومة العراقية تواجه أزمة سكن كبيرة في المناطق المحررة.
يرى الخبير الاستراتيجي صالح الكربولي أنّ "العراق يعاني في الأصل من أزمة سكن، قبل عام 2014. لكنها سوف تتضاعف بصورة مخيفة في المدن المحررة، بسبب الدمار الهائل الذي لحق بالأحياء السكنية. وهذا يعني استمرار نزوح عشرات الآلاف لأجل غير مسمّى". ويؤكد الكربولي لـ "العربي الجديد" أنّ "مدّة النزوح سوف تطول لسنوات أخرى مقبلة، لعدم قدرة الحكومة على توفير المبالغ اللازمة لإعادة بناء المنازل والوحدات السكنية المدمّرة، ما لم يسجّل تدخّل أممي واسع لمساعدة البلاد في ذلك".
وما يعقّد الأمر هو النزوح العكسي من المدن المحررة، بعد عودة النازحين إليها وعثورهم على دورهم مدمّرة بالكامل. لم يجدوا بدائل أخرى، فاضطروا إلى النزوح من جديد، بحثاً عن مأوى لهم ولأسرهم.
وفي هذا السياق، يطالب المراقبون والناشطون والأهالي بتدخّل أممي لمساعدة العراق في إعادة بناء المنازل والوحدات السكنية المدمّرة، لوضع حدّ لأزمة السكن وتقليص مدّة النزوح التي دخلت عامها الثالث في ظل أزمة اقتصادية خانقة تواجهها الحكومة العراقية منذ منتصف عام 2015.