عادت المصالحة الوطنية الفلسطينية إلى مرحلة الغموض والتباطؤ مجدداً، مع البدء الفعلي لتمكين حكومة "الوفاق الوطني" من القيام بأعمالها في قطاع غزة، وحدوث إشكاليات جديدة، تسعى الأطراف الموقعة على اتفاقية المصالحة إلى تجاوزها.
ورغم محاولة طرفي الاتفاق تمرير التفاؤل إلى الفلسطينيين، إلا أنه على أرض الواقع يختلف الأمر تماماً، فالمصالحة لم تقدم حلولاً عملية لأزمات قطاع غزة الكثيرة، ولم ترفع العقوبات المفروضة، ولم تُعد الكهرباء المقطوعة.
وعاد، في اليومين الماضيين، عشرات الموظفين المدنيين المستنكفين من السلطة الفلسطينية إلى وزاراتهم ووظائفهم، وتمت إعادة دمجهم في وظائف إلى جانب موظفي حكومة "غزة" السابقة، باتفاق بين حركتي "حماس" و"فتح"، وسط ارتياح عام.
وتم دمج موظفين قدامى من وزارات التربية والتعليم والصحة والنقل والمواصلات والتنمية الاجتماعية وسلطة الأراضي، مع نظرائهم المعينين، في عهد ما بعد الانقسام، في خطوة أولى تقول الحكومة إنها ضرورية، وستتبعها خطوات أخرى.
لكن الارتياح العام سرعان ما تحوّل إلى مخاوف، مع تأخر حكومة "الوفاق الوطني" في صرف دفعة مالية لموظفي حكومة غزة السابقة، وفق الاتفاق الموقع في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في القاهرة، والذي نص على تحمّل الحكومة دفع سلف مالية للموظفين لحين الانتهاء من حسم ملفهم، وفق مخرجات اللجنة الإدارية والقانونية التي شكلتها الحكومة.
وكان الوفد الأمني المصري المتواجد في غزة قد غادرها احتجاجا على ما أسماه "مماطلة" حكومة الوفاق في تنفيذ ما اتفق عليه، وكان يفترض أن يعود إلى القطاع لو تم التقدم في خطوات المصالحة، لكنه لم يعد، في مؤشر على أنّ الأمور لم تمض كما أريد لها.
ومن المقرر أن يتوقف موظفو غزة عن العمل، غدا الثلاثاء، ليوم واحد، بعد إعلان نقابة الموظفين العموميين عن إضراب شامل في كل الوزارات والمؤسسات الحكومية، بما في ذلك المدارس، ويستثنى من الإضراب أقسام الطوارئ في المستشفيات.
وأعلن الموظفون أنّ الخطوة تأتي احتجاجاً على "تجاهل" حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله، دفع رواتبهم، كما نص على ذلك اتفاق المصالحة بين حركتي "حماس" و"فتح"، والذي بموجبه تم تمكين الحكومة من الضرائب والمدخولات المالية المحلية.
وقالت مصادر إعلامية "إنّ وزارة المالية في غزة أوقفت تحويل أموال الضرائب المحلية إلى حساب وزارة المالية في السلطة الفلسطينية، احتجاجاً على الغموض في موضوع رواتب الموظفين المعينين بعد الانقسام، لكن لم يجر التأكد من هذا الأمر، في ظل رفض أطراف عديدة التحدث عن الأمر".
وأكد المتحدث باسم حركة "حماس"، حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، أنّ الاتفاق الموقع في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين الحركة و"فتح" واضح، وينص على أنّ الحكومة يجب أن تقوم بدفع رواتب للموظفين في قطاع غزة عن شهر نوفمبر/تشرين الثاني، ومطلوب منها الآن تنفيذ هذا القرار وعدم المماطلة فيه.
وجدد قاسم التأكيد على موقف "حماس" من المصالحة، وأنها لن تتراجع عنها، وهو خيار استراتيجي لها، مؤكداً أنّ حركته "غادرت مربع الانقسام ولن تعود إليه"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ إتمام المصالحة الآن "أكثر وجوباً، في ظل التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية، خاصة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني".
وبيّن أنّ "حماس" قدمت كل ما عليها في موضوع تسليم الحكومة وتسهيل مهامها منذ قرارها الأول بحل اللجنة الإدارية، وترحيبها بالحكومة، وتسليم الوزارات والمعابر، من دون وجود أي موظف من حكومة غزة، وقدمت جملة كبيرة من التسهيلات وتعاطت مع الجهد المصري بروح إيجابية.
و"حماس"، بالنسبة لقاسم، قامت بما يتوجب عليها، ويبقى أن تقوم حكومة الحمدالله بأعمالها، وأن تبادر برفع الإجراءات التي فرضت على القطاع، مشدداً على أنّ "المصالحة يجب أن تسير إلى الأمام، ولا يجب أن تتوقف بحال من الأحوال".
وأشار قاسم إلى أنّ حركته شكلت قوة دفع كبيرة لعملية المصالحة، بـ"شهادة كل الأطراف، سواء الفصائل أو الوسيط المصري"، مضيفا "يمكننا تجاوز كل العقبات المتعلقة بالمصالحة إذا ما تعاملت السلطة الفلسطينية بالنفس التشاركي ومنطق الشراكة الوطنية".
إلى ذلك، أكد قاسم أن القضايا لا تحل بين ليلة وضحاها، والأمور تحتاج إلى مزيد من الصبر، لكنه شدد على ضرورة أن تكون "هناك نوايا صادقة من أجل الوصول إلى حل لكل المعيقات".
في السياق، قال القيادي في حركة "فتح" وعضو كتلتها البرلمانية، فيصل أبو شهلا، لـ"العربي الجديد"، إنّ المصالحة الفلسطينية تسير قدمًا، وهناك حالة من التفاؤل والتقدم في ملفاتها المختلفة، لا سيما على صعيد تمكين الحكومة، من خلال عودة الموظفين القدماء إلى أماكن عملهم.
ولفت أبو شهلا إلى أنه من المفترض أن تقدم الحكومة تقريرًا مفصلاً، خلال الفترة القادمة، يتضمن ملف التمكين من ناحية عودة الموظفين، ومدى الجباية في الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، بالإضافة إلى عودة الموظفين القدامى إلى وزارة الداخلية.
وأشار إلى أنه لا توجد حتى اللحظة أي إشكاليات، إذ تسير المصالحة بشكل جيد، مع الإشارة إلى حاجتها إلى مزيد من الوقت، منوهاً إلى الخطوة المفاجئة التي يعتزم موظفو حكومة غزة السابقة تنفيذها عبر الإضراب العام في المؤسسات الحكومية، بالرغم من أن الاتفاق نص على حل إشكاليتهم، بعد انتهاء عمل اللجنة الإدارية والقانونية.
كذلك، بيّن أبو شهلا أن اللقاء الأخير الذي جمع رئيس ملف المصالحة في "فتح"، عزام الأحمد، بقيادات حركة "حماس" في القطاع، وعلى رأسهم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية ورئيس الحركة في غزة يحيى السنوار، كان إيجابيًا، وستشهد الفترة المقبلة المزيد من اللقاءات والاجتماعات.