وضعت تطورات الأيام القليلة الماضية في البرلمان البريطاني، مفاتيح مستقبل حكومة جونسون بيد زعيم المعارضة البرلمانية جيريمي كوربن، في انقلاب درامي للأدوار، بعدما كان جونسون متحكماً في مصير البرلمان قبل نحو أسبوع.
فقد أعلن حزب "العمال"، على لسان وزيرة الظل للشؤون الخارجية، ايميلي ثورنبيري، أنه سيصوت للمرة الثانية ضدّ قانون الانتخابات العامة المبكرة الذي سيتقدّم به جونسون يوم الاثنين. وقالت ثورنبيري لـ"بي بي سي" صباح اليوم الجمعة، إن سبب الرفض العمالي يعود إلى أنه "وفقاً لقانون الانتخابات البرلمانية، إذا صوتنا لصالح الانتخابات العامة، فحينها لن تكون هناك أية أهمية لوعود جونسون، فستكون له وحده سلطة إشارة الملكة إلى موعد الانتخابات"، مضيفة: "وبما أنه تجلى ككاذب أمام الجميع، وقوله إنه يفضل أن يكون ميتاً في حفرة في الأرض بدلاً من وقف "بريكست" من دون اتفاق، وإن مستشاره (دومينيك) كامينغز يصرخ في وجه النواب مصراً على أننا سنخرج يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول مهما كان الثمن، فإن أولويتنا يجب أن تكون في منع عدم الاتفاق وضمان أنه لن يحدث".
وكان جونسون قد تحول لاستفزاز جيريمي كوربن، واصفاً إياه بالجبن لرفضه التوجه لانتخابات عامة، خوفاً من الخسارة التي ستلحق به. ويحتاج جونسون لدعم ثلثي أعضاء البرلمان البريطاني، ليتمكن من تعديل موعد الانتخابات العامة، ولكنّ حكومته تفتقر لهذه الأعداد.
وكان "العمال" قد خاض نقاشات داخلية مطولة في اليومين الماضيين، حول الانتخابات المبكرة وموعدها، بانتظار الاستشارات القانونية الخاصة بأي تحرك في مجلس العموم، حيث إن الأولوية تكمن في منع عدم الاتفاق. كما يتشاور العمال أيضاً مع الأحزاب المعارضة الأخرى مثل "الديمقراطيين الليبراليين" و"القومي الاسكتلندي" لتنسيق خطواتهم سوية الأسبوع المقبل.
ويمكن تنظيم الانتخابات العامة بعد مهلة أقلها 25 يوماً من إقرارها في البرلمان، وفي حال تم ذلك يوم الاثنين، فسيكون منتصف أكتوبر المقبل الموعد المفضل، حيث يستطيع بعدها رئيس الوزراء الجديد التوجه إلى بروكسل لحضور القمة الأوروبية، مدعوماً بتفويض جديد من الشارع والبرلمان البريطاني. إلا أن خياراً آخر قيد المناقشة، يأخذ في الحسبان التصويت بسحب الثقة من حكومة جونسون، والذي قد يتم أيضاً الأسبوع المقبل. ويختلف هذا الخيار عن سابقه بأنه يمنح البرلمان مهلة أسبوعين للتوصل إلى حكومة بديلة، قبل الدعوة إلى انتخابات عامة. وفي حال تم التصويت بسحب الثقة يوم الاثنين، فإن موعد الانتخابات سيكون يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول. وسيفرض ذلك عملياً على جونسون التوجه إلى بروكسل وطلب تأجيل "بريكست" مرغماً.
وكان كوربن قد قال يوم الأربعاء، إنه مستعد لدعم طلب جونسون التوجه للانتخابات العامة، ولكن فور ضمان مرور قانون منع عدم الاتفاق في البرلمان البريطاني. وينتظر أن يقر مجلس اللوردات الاتفاق مساء اليوم الجمعة، وأن يحصل على الموافقة الملكية يوم الاثنين.
وتواجه حكومة جونسون نزيفاً في الدعم البرلماني، كلما طال البت في مصير "بريكست". فجونسون استغل الطاقة التي وصلت به إلى رئاسة الوزراء، بعد قطعه الوعود بـ"بريكست" مهما كان الثمن، لجمع التأييد حوله، ولكن العراقيل التي تواجهها سياساته الأسبوع الحالي أدت إلى تصدع "حزب المحافظين"، واستقالة عدد من نوابه وطرد عدد آخر نتيجة لتمردهم، إضافة إلى إعلان فئة ثالثة نيتها عدم الترشح في الانتخابات المقبلة، لخلافها مع زعامة جونسون. ولا شك أن مشهد الانهيارات في تركيبة المحافظين تسرّ قيادة "العمال"، وتدفعهم للتروي في دعم الانتخابات العامة.
ولكن البرلمان البريطاني قد يشهد العديد من المفارقات الأخرى يوم الاثنين، إن أصرّ جونسون على رفض طلب تمديد موعد "بريكست". فقد يتقدم جونسون بطلب سحب الثقة من حكومته تعجيلاً لموعد الانتخابات، وهو تصويت يحتاج لأغلبية بسيطة (أكثر من 50 في المائة). وقد تحرمه المعارضة مبتغاه، وهو الذي خسر الأغلبية البرلمانية الأسبوع الحالي. وبالتالي قد نشهد يوماً ترفض فيه المعارضة طلب الحكومة الاستقالة. أما في حال دعم البرلمان لمثل هذا السيناريو، فقد تتشكل حكومة من ائتلاف معارض بقيادة كوربن، والتي قد تتوجه إلى القمة الأوروبية في بروكسل لطلب تأجيل "بريكست".
كما يستطيع جونسون سلوك طريق آخر من خلال تقدمه بالاستقالة من منصبه للملكة إليزابيث الثانية، والتي ستكلف حينها زعيم المعارضة جيريمي كوربن بتشكيل حكومة جديدة. وسلوك هذا الطريق سيمنح جونسون انتخابات عامة مبكرة قبل نهاية أكتوبر، وسيجنبه حرج طلب تمديد موعد "بريكست".
محكمة ترفض طعناً في قرار تعليق أعمال البرلمان
إلى ذلك، رفضت محكمة الدرجة الأولى في لندن، اليوم الجمعة، طعناً في قرار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تعليق أعمال البرلمان، اعتباراً من الأسبوع المقبل. وقال القاضي إيان بورنيت، أمام محكمة العدل في إنكلترا وويلز، وهي محكمة ابتدائية، إنه "تم رفض" الطعن. لكن المحكمة سمحت برفع القضية إلى المحكمة العليا التي ستعقد جلستها للنظر في الملف بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر.
وكانت جينا ميلر، وهي ناشطة بارزة حصلت سابقًا على تأييد المحكمة العليا لالتماس تقدمت به يجبر الحكومة على الحصول على موافقة البرلمان قبل إطلاق عملية تفاوض لعامين مع الاتحاد الأوروبي، هي من تقدمت بالطعن. وقالت ميلر خارج المحكمة بعد جلسة الاستماع: "لن نتخلى أنا وفريقي عن معركتنا من أجل الديمقراطية". وأضافت: "ندافع عن الأجيال المقبلة (...) سيشكّل الاستسلام الآن تقصيراً في مهمتنا".