مر على وصول المجلس الرئاسي الليبي للعاصمة طرابلس شهرين، وما تزال معاناة الليبيين مستمرة وسط شكوك تساورهم في قدرة المجلس الرئاسي على حل أزماتهم المتعاظمة.
فلا تزال الأزمة الإقتصادية، تعصف بشعب يمتلك بلده أكبر احتياطي للغاز والنفط في القارة الأفريقية، بالإضافة لموارد طبيعية ليس آخرها ساحل، يعتبر الأطول بين شواطئ دول حوض المتوسط. أزمات توازي استمرار الأزمة السياسية التي يبدو أنها زادت تعقيداً، أكثر من ذي قبل.
قبل شهرين، تجمهر المئات من المواطنين في ميدان الشهداء، ترحيباً بوصول المجلس الرئاسي ورئيسه فايز السراج، وهو ذات الميدان الذي يقفون فيه اليوم احتجاجاً على المجلس الرئاسي وعجزه عن حلحلة أزماتهم المتزايدة.
وعدد خالد زيدان، مواطن يقف في طابور أمام أحد البنوك، أزمات المواطن الليبي قائلاً إن "الكهرباء تنقطع لثماني ساعات يومياً، من دون أي سبب واضح. والسيولة تكاد تكون معدومة رغم القول بأنها وصلت من روسيا وبريطانيا. ولهيب الأسعار يلفح جلودنا، والمليشيات غرب وجنوب العاصمة لا تزال تختطف على الهوية ومن أجل المال، والطريق الساحلي غرب العاصمة لا يزال مقفلاً. وأزمة المنفذ الحدودي مع تونس قائمة". لافتاً إلى أن حكومة السراج لم تقدم شيئا، ويمضي قائلاً "لم نعد نكترث للساسة وصراعهم، ونعلم أنها أزمات مفتعلة بأيديهم ونحن الضحية".
وتتحدث مهيبة الناجي، مواطنة ليبية، عن استمرار الانفلات الأمني بضواحي العاصمة. متسائلة عن تصريحات لجنة الترتيبات الأمنية التابعة للمجلس الرئاسي، قائلةً، "هل جاءت هذه اللجنة فقط لتأمين مقر السراج، فقد توقفت اللجنة عن تنفيذ المراحل الأخرى التي أعلنت عنها لتأمين العاصمة".
ويرى مواطن آخر أن الحكومة أسرفت في اللقاءات الخارجية والرحلات المكوكية، إلى عواصم العالم لتمكين وجودها وانخرطت في ذات الخصام القديم. معتبراً أنها أهملت بالكامل الوضع الاجتماعي المتردي للمواطن، واصفاً المجلس الرئاسي بـ"المستهتر بحياة المواطن الليبي". مضيفاً "لقد بدا لدينا شكوك حيال هذه الحكومة أن تكون كسابقاتها لا معنى للمواطن لديها".
مقابل هذا السخط المتنامي، يبدو أن المجلس الرئاسي لم تفلح تصريحاته في إقناع المواطن. فرغم إعلانه قبل شهر عن قرب نجاحه في توحيد مؤسستي البنك المركزي ومؤسسة النفط إلا أن الصراع بين إدراتي المؤسستين لا يزال قائماً. ما ألقى بظلاله على ازدياد ارتفاع الأسعار وغياب شبه كامل للسيولة النقدية.
وبرر المجلس الرئاسي في بيانات سابقة أن ما تعاني منه البلاد من شلل وتداعياته على المواطن بأنهما نتاج تراكم خمس سنوات من الفوضى في البلاد، مدللاً بأن وزارته لم تتمكن من استلام مقارها إلا أخيراً، لتباشر عملها من دون تمكنها من الحصول على موازنة لتسيير شؤونها في ظل امتناع البرلمان عن منحها الثقة.
وبحسب مراقبين فإن المجلس الرئاسي، أخطأ عندما وجه كل جهوده لإقناع العالم بأنه الأصلح والأقوى لإزاحة خطر الإرهاب عن البلاد، عندما شكل غرفاً عسكرية لقيادة القتال ضد تنظيم الدولة، "داعش" في سرت، مهملاً جوانب أخرى، من أهمها أزمة المواطن المتفاقمة التي قد تقوض مصداقيته.
ويرى المراقبون أن موقف المجلس الرئاسي من المجموعات المسلحة السابقة في غرب ليبيا يدعو للشك، فالمجلس الذي أعلن عن تشكيله لثلاث فرق عسكرية، اثنان منها حول سرت وأخرى في صبراته، غربي البلاد، لم يعلن بشكل واضح عن مكونات جيشه وسيطرته الفعلية على المجموعات المسلحة المنخرطة فيه.
كما أنه لم يعلن حتى الآن عن موقفه الصريح من القوات التي يقودها الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر"، الموالية للبرلمان شرقي البلاد، والمجموعات المسلحة التي أعلنت عن نفسها بقيادة ضباط سابقين مقربين من القذافي جنوبي البلاد في الآونة الأخيرة.
وأمام ما يواجهه المجلس الرئاسي، من تراجع في الموقف الدولي حيال قدرته على قيادة البلاد، وخصومة سياسية لم تنته مع البرلمان الذي نجح في شله عن العمل، يبدو أنه سيواجه جبهة معارضة جديدة ممثلة في أزمات المعيشة المتصاعدة، بدت ملامحها في الظهور في طرابلس غير بعيد من المقر العسكري الذي لا يزال المجلس الرئاسي يتخذه مقراً له.