مواصلات: بيروت تاكسي.. مسلم - مسيحي

15 أكتوبر 2014
تاكسي في شوارع بيروت (Getty)
+ الخط -
ما إن جلست على المقعد الخلفيّ لسيارة الأجرة، التي تبدو مثل مزار لكثرة صور القديسين فيها، وأغلقت الباب خلفي، حتى استكمل السائق حديثه مع المرأة الجالسة إلى جانبه على المقعد الأمامي.
- ما رح يبقالنا محل بهالبلد... بدهن إيانا نهاجر. 
ثمّ أشار إلى امرأة قطعت الطريق أمام السيارة التي تتقدم ببطء في زحمة السير. المرأة تحمل طفلاً وملابسها شبه رثة، لكن سحنتها لا توحي بجنسيتها، بالطبع. وأضاف "شايفة هالأشكال يللي عم يجيبولنا إياها؟"، مفترضاً أنها غير لبنانية. 
أجابت المرأة، التي رفعت شعرها الذي بهتت صبغته الشقراء بملقط بلاستيكي أبيض، بتوتر وعصبية لا يتناسبان مع بداية هذا النهار الخريفي السلس:
- بالأول جابولنا الفلسطينيي وهلّأ جابولنا السوريي... تعبَّى البلد غربيّي. وهنا انتشى السائق حين رأى أنّ المرأة تلقّفت حديثه ولاقته على نفس الموجة، فبدأ يفصح عن قصده الخفي.
- هيدي المؤامرة بلشت مع كيسنجر من سنة الـ 73 (!!!) من وقتها وهني عم يخططوا لترحيل كل المسيحيين من الشرق.

انتفضت المرأة قائلة: فشروا.. هيدي الأرض زارها الربّ ورح تضل أرضنا.
تملل السائق بسبب مداخلة المرأة. فهو على الرغم من استئناسه بموافقتها على طرحه، إلاّ أنه في تلك اللحظة أراد أن يكون المنظّر الوحيد، وأرادها أن تكون مستمعة، فاستعجل يكمل فكرته قبل أن تسترسل بحديثها.
- المؤامرة بلشت تنجح لما قدروا يخلونا نقتل بعضنا... عملولنا حرب التحرير لحتى المسيحيين يقتلوا بعضهن... بتعرفي شو قصدهن بحرب التحرير؟
وقبل أن تجاوب المرأة، أكمل السائق، حرف التاء يعني تدمير، والحاء يعني حريق، والراء يعني رماد، وبعد التدمير والحريق والرماد بيجي حرف الياء، يعني اليأس... وآخر شي بيجي الراء مرة تانية، بتعرفي شو معناتها الراء التانية؟
أجابت المرأة بعد تردد: رحيل؟

- برافو عليكي.. صرخ السائق مهنئاً وكأن المرأة فازت بالجائزة الكبرى في برنامج مسابقات تلفزيوني. 
ردت عليه المرأة باستهجان ممزوج بشبه إعجاب: معك حق والله... إذا الواحد بيفكر فيها بيلاقيها كتير منطقية! فأكمل السائق: وما خلصت هون... لتكمل المؤامرة بتعرفي شو عمل آخر رئيس جمهورية عندنا قبل ما يروح؟ أعطى الجنسية اللبنانية لـ 400 ألف سوري (!!!) لحتى نصير نحن أقليّة.

كنا وصلنا إلى الأشرفية:
- "عندك لو سمحت".
نزلت من السيارة وأنا ما أزال تحت تأثير الصدمة، لا أعرف إن كان يجب أن أضحك على المشهد الهزلي الذي شهدته، أو أن أحزن أو أغضب أو أحبط. إنها هستيريا كاملة لشعوب ترى أقدارها تسيرها مؤامرات تحاك على ما يشبه جبل الأولمب حيث تتسلى الآلهة.

المساهمون