استنساخ البرامج: قلة أفكار وانخفاض الميزانيّات

12 مارس 2016
بيار رباط (MTV)
+ الخط -
لم يحمل الموسم الحالي من بعض البرامج التلفزيونية، التي تُصنِّف نفسها في لبنان، بأنّها ترفيهية، أو تدخل ضمن إطار المنوّعات جديداً يُذكر. ثمّة تشابه في طريقة التعاطي مع بعض الأفكار وما يُسمى انتقادات، أو نقد مكامن ضعف، يحاول إيجادها مقدمو البرامج، فقط من أجل نيل أحدهما من الآخر، ولو كانت بطريقة مستهلكة، غير هادفة البتّة. وتفتقد بالتالي إلى أدنى معايير الخطاب الإعلامي أو الالتزام بين الزملاء أنفسهم الواحد تجاه الآخر في الردود المضادة.
رؤيةٌ قد يعتمدها الإعلام الغربي الذي يبيّن حقيقته بهدف خاص، وهو تفادي الوقوع في الهفوة على الشاشة الصغيرة، لكن الوضع اللبناني يختلف كثيراً في طرح هذا النوع من النقد، الذي لا يهم المشاهد، وبالتالي يُصبح مجرّد عبء بالنسبة للمتابعين. لم تُظْهِر الإحصاءات تقدمًا ملحوظاً لهذا النوع من البرامج، القائمة على فكرة نقد المحطات اللبنانية لبرامجها عن طريق برنامج، أو محطة ثانية.
بداية مع، بيار رباط، الشاب الثلاثيني الذي ظهر في عدة برامج على محطة MTV اللبنانية من سنوات، وهي مُسْتَنْسخة عن برامج فرنسية الهوية، يفضلها صاجب المحطة رجل الأعمال، ميشال غابرييل المرّ. لكن، تحوُّلاتٍ كثيرة طرأت على رباط، بعد تقديمه لسنوات برنامج "من الآخر”، الذي كان يستضيف فيه مجموعة الفنانين وزملاء له ويحاورهم في مواضيع قد لا تكون بالضرورة فنيّة، ليخرج هذا العام ببرنامج "منّا وجرّ"، المأخوذ عن البرنامج الفرنسي touche Pas à Mon Poste الذي يُعرض على محطة D8 الفرنسية. عرضت منه الحلقة الأولى ليلة رأس السنة الميلادية، وبعد تحقيقه نجاحاً واسعاً في فرنسا، بات البرنامج في حلّة لبنانية، وهو سيتناول قضايا متعلّقة بعالم التلفزيون. أصداء حلقة البداية بحسب MTV وصلت إلى فرنسا بعد ليلة رأس السنة. والحلقة التي عُرضت لاقت استحسان البرنامج الفرنسي، الذي تكلّم عنه مقدموه بشكل كوميدي، وأبدوا إعجابهم بطريقة نقل الـ Format الأجنبي بحذافيره، مثلما تقتضي شروط شراء حقوق البرامج. استغرق التحضير لهذا البرنامج 8 أشهر، مع فريق عمل مؤلَّفٍ من 25 شخصا، مهمَّتهم رصد كل ما يُبَثُّ على القنوات التلفزيونية، لتحليله ومناقشته أسبوعيّاً. لكن البرنامج لم يخرج بجديد، إلاّ فيما ندر لبعض الفقرات التي بدت أقرب للفكاهية من النقد البناء المفترض أن يتحلى به البرنامج ويفيد المشاهد به في الدرجة الأولى. وتحوّل من نصبّوا أنفسهم نقّادًا، إلى مجرد ساعين وراء الضوء، خصوصًا وأن بعضهم يظهر للمرة الأولى، واختصاصه بعيد عن النقد كما يفترض أن يكون في البرنامج. ولم يغب عن المعدّين، بالطبع، فكرة انتقاد المحطة لنفسها عبر البرنامج، وذلك للإيحاء بأنّها تتوجه بشفافية حتى أمام نفسها، وتصّور ذلك من باب الديمقراطية، وقبول الآخر. لكن ما ظهر جليًا، هو مديح للقناة أكثر، والنقد اقتصر على تقديم بعض الهفوات البسيطة التي تحصل في MTV، دون التطرّق إلى بعض المواقف المثيرة فعلاً للجدل. فلم تعترف المحطة باستنساخ فكرة برنامج "مين بيعرف”، الذي بينت الوثائق أنّه مستنسخ عن فكرة برنامجين الأول فرنسي والثاني إنكليزي. تغاضي المحطة، أوقعها في نقدها اللاذع لبرامج أخرى، تُعْرَض على محطة منافسة لها، والقول بأنها سرقة علنية.
عودة، طوني خليفة، من خلال برنامج "وحش الشاشة”، لم يُكتب لها النجاح الذي كسبه خليفة في السابق من خلال برامج قريبة من المشاهد، أو تعمل على حلّ قضاياه العالقة. وحش الشاشة ظهر خجولاً غير مترابطٍ في الفقرات، التي تقلد أو تنقل في برامج مماثلة على محطة “الجديد" نفسها التي عاد إليها خليفة، بعد طلاق غير طويل دام عامين.
الواضح في "وحش الشاشة”، أنّه يَحْظَى بداية بميزانيّة خفيفة، وتشتُّتٍ في الفقرات على طريقة "زابيينغ" التي تقدُّمها بعض البرامج المتخصصة في الولايات المتحدة الأميركية، لكن محاولات طوني هنا، بدت فاقدة للربط، بين جريمة قتل، مثلاً، يحاول تحليلها في ما لا يتجاوز العشر دقائق، أو بين قضيّة الفنان المعتزل، فضل شاكر، وحتى في تعاطي خليفة مع هفوات بعض البرامج الأخرى، كما هو حال بيار رباط، فإنّ الصورة تهدف إلى التكرار، ونيل خليفة من زملائه كما هو حال MTV والنتيجة برأي خليفة نفسه، هو أن أحداً لا يستطيع منافسته في جديده.
أكثر ما يحملنا إلى السؤال، وهو أين المحطة من تشابه فقرات برنامجين يقدمان بفارق يومين فقط؟ وكيف استطاعت قناة “الجديد”، تقبل فكرة ثالثة تعتمد على الأسلوب المشابه. وتتقمّص، بالتالي، دور"زابينغ"، مُخْتَصر يَرْصُد مواقف، وظهرت في برامج أخرى أو نشرات أخبار أو صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي في "ع البكلة” للزميلة، نسرين ظواهرة، التي نجحت معها المحاولة في دقائق معدودة، كانت تقدمها عبر موقع جريدة "النهار" اللبنانية، لكنّها فشلت بعد تحولها إلى برنامج تلفزيوني يقوم على النقد المجتزأ من خلال الرصد الأسبوعي، الذي تقوم به ظواهرة، وأحياناً يتشابه مع طرح عرضه خليفة قبل يوم واحد من عرض "ع البكلة" مساء الجمعة.
هكذا مع انخفاض ميزانيات المحطات اللبنانية، الاتجاه يكون في نقد الآخر من باب ما يسمى “ترافيك"، قد ينتظره بعض المشاهدين بدافع الفضول، أو يتابعها جمهور الإعلاميين أنفسهم، ويروجون لها عبر صفحات الميديا البديلة التي تعج بفيديوهات قصيرة جداً، تحقق نسبة مشاهدات عالية جداً. لكن يغيب عن أذهان بعض الزملاء، كيفية التعاطي مع بعضهم في رسم خطة هادفة، أو خطوط تستحق النقد، ولا تقف عند حادثة حصلت على الهواء، تبدو للعيان أنها مقصودة، كما هو حال النشرات الإخبارية والبرامج التي تريد الشهرة، من خلال الاستعانة بالزملاء في المحطات الأخرى. هؤلاء يفسرون ذلك بالنجاح، ويبتعدون عن الهدف من وراء ما يُعرَض دون تنبّه المحطة الحاضنة، أو إغفال عينها عن المحاسبة، من مواقف متكررة جداً في ظل غياب الإنتاجات الضخمة والمفيدة.

اقرأ أيضاً: مغربي يدفن زوجته... لتظهر حية على التلفزيون بعد عامين
المساهمون