طائرة بدون طيار تكشف تهريب آثار في بلدة أردنية

03 ابريل 2015
+ الخط -

في مقبرة شاسعة تعود للعصر البرونزي في جنوب الأردن، طور علماء الآثار أسلوباً فريداً للتعرف على العالم السري الغامض لنهب الآثار؛ فمن خلال صور تلتقطها من الجو طائرة بدون طيار يحدد الباحثون بدقة موقع- وربما توقيت- نهب تلك المقابر التاريخية.

وبناء على تلك الصور وأحاديث مع بعض الناهبين الذين حازوا على ثقتهم، يحاول علماء الآثار تتبع الأواني المسروقة وغيرها من القطع الفنية حتى وصولها إلى التجار والمشترين منهم. ويأملون في الوصول لفهم أفضل للسوق السوداء لبيع الآثار، وربما وقف مزيد من نهبها.

إنها مهمة تحريات معقدة تبدأ بالموقع غير البعيد عن البحر الميت في الأردن، وتنتهي عند الهواة والمشترين في العالم أجمع.

يكشف التصوير من الجو أحدث مواقع النهب بمقبرة فيفا التي يعود تاريخها إلى 5000 عام، ويتم أحياناً الربط بين هذا النهب وبين أواني العصر البرونزي التي تظهر فجأة لدى التجار، وفق ما تقول موراغ كيرسيل، عالمة الآثار بجامعة دي بول بشيكاغو، والتي ترأس مشروع "اتبع الأواني"، كما تتبادل أيضاً البيانات مع وزارة السياحة والآثار الأردنية، في مسعى لمكافحة نهب الآثار وتهريبها.

خلال صباح قريب سار أعضاء الفريق عبر مقابر مدمرة وأحذيتهم تسحق عظاماً قديمة، فيما كانت طائرة صغيرة غير مأهولة تحلق فوقهم. فخلال السنوات الأخيرة تزايد استخدام الطائرات غير مأهولة في مجال الآثار، ليحل محل الطائرات الورقية والبالونات ومناطيد المراقبة، في مسح مواقع حفر يصعب الوصول إليها، بحسب ما ذكر خبراء.

اقرأ أيضاً:
العراق: ضبط 207 قطع أثرية قبل التهريب

تشاد هيل، عالم الآثار بجامعة كونكتيكت الذي صنع الطائرة غير مأهولة، حلق بها فوق جزء من المقبرة لم يكن قد وضع على الخرائط بعد. والتقطت الطائرة صورا أتاحت لهيل رؤية تفاصيل تغيير عمليات النهب للطبيعة هناك. ويقول "يمكننا رؤية التغيير عبر الزمان، ليس مجرد "حفرة كبيرة تم حفرها"، بل أيضاً مواقع تحريك الأحجار المختلفة. إنه مستوى من وضوح ودقة مجموعة بيانات حول المكان لم يتوافر أبداً من قبل حتى عامين مضيا".

وعندما أوشكت بطاريات الطائرة على النفاد، أوقف هيل تشغيل الطيار الأوتوماتيكي، ووجه عملية الهبوط عن بعد. ثم قلب الطائرة على ظهرها، وراجع الكاميرا، وهز رأسه معجباً بعمل بعد الظهيرة تلك.

تضم المدافن الواقعة في سهول البحر الميت نحو 10 آلاف مقبرة، تمثل جزءاً من تراث أثري ضخم بالمنطقة، تشبه سطح القمر غير المتساوي نتيجة أعمال النهب، وتمتد نحو 3700 حفرة حتى الأفق تتناثر فيها بقايا هياكل عظمية وحجارة مكسرة. ففي العادة يترك الناهبون بقايا العظام البشرية ويستولون فقط على القطع الفنية المحفوظة جيداً.

وتقول كيرسيل، وهى تلتقط سواراً مكسوراً من الصدف، ربما يعود إلى الحضارة المصرية القديمة "أقضي أيامي (هنا) وأنا أطأ (بقدمي عظام) أشخاص متوفين".

اقرأ أيضاً:
الأردن: كنز هرقل يطيح "داعش".. وينصّب "باحش"

من أسباب انتشار عمليات السلب والنهب ارتفاع معدل البطالة، حسبما يقول محمد الزهران، مدير متحف البحر الميت القريب. ففي الأردن تبلغ نسبة البطالة 12 بالمائة، وضعف تلك النسبة بين الشباب.

إلا أنه من ناحية أخرى نجد أن الآثار المنهوبة نادراً ما تحقق ثروات لناهبيها المحليين، وفق نيل برودي، الباحث بالمركز الاسكتلندي لأبحاث الجريمة والعدالة بجامعة غلاسكو، بل على العكس تتحقق الثروات في أوروبا وأمريكا. ويضيف برودي أن هوامش الربح ترتفع بتحرك القطع الفنية من الناهب إلى الوسيط، ثم التاجر، فالعميل النهائي.

درس برودي عمليات النهب بموقع أثري أردني آخر، هو باب الذراع، حيث آثار العصر البرونزي المبكر. إلا أن ذلك لم يتم من خلال طائرات بدون طيار. ويقدر أن يكون الناهبون قد دفعوا نحو 10500 دولار مقابل الحصول على 28084 آنية بيعت لاحقاً في لندن مقابل ما يزيد على خمسة ملايين دولار، وأحياناً كان يكتب عليها أنها قطع فنية من العهد القديم.

وتظهر أبحاث برودي أن قطعة فنية بيعت لاحقاً مقابل 275 ألف دولار، تمت مبادلتها في البداية بخنزير، كما وجد أن تمثالاً لإله هندوسي راقص تم شراؤه بنحو 18 دولاراً، ليباع في نهاية المطاف مقابل 372 ألف دولار.

بعض القطع الفنية المسروقة من مواقع أردنية، ومنها مقابر بالطبع، ينتهي بها المطاف في إسرائيل، وفق ما يؤكد نائب مدير وحدة مكافحة سرقة الآثار في هيئة الآثار الإسرائيلية، إيتان كلاين.

وتقول كيرسيل، من مشروع "اتبع الأواني"، إن بعض الناهبين أبلغوها بأنهم يبيعون سلعهم لوسطاء من العاصمة الأردنية عمان أو بلدة الكرك الجنوبية. وتضيف أن سلسلة التتبع تتوقف عند هؤلاء الوسطاء، إلا أنها تتمكن أحياناً من التقاطها عند الطرف الآخر، من خلال مقارنة تاريخ وتوقيت النهب بما يظهر للبيع في أسواق العالم.

وبالإضافة إلى مراقبة المقابر تقيم كيرسيل أيضاً ورش عمل محلية حول كيفية التربح من الآثار بشكل قانوني، ويشمل ذلك تصنيع وبيع نسخ مقلدة، وذلك في إطار حملة مكافحة نهب المقابر. إلا أنها تقول إنه سيكون من الصعب وقف عمليات النهب طالما ظل الطلب على القطع الفنية مرتفعاً.

وتضيف، وهي واقفة بجوار مقبرة منهوبة في فيفا "الناس لا يسألون عن مصدر تلك القطع الأثرية. هم فقط يرغبون في امتلاكها بغض النظر عن خلفيتها، وهذا هو ما يشجع الناس على القيام بعمليات النهب".

المساهمون