نوستالجيا القشّ

28 ابريل 2015
مجموعة ملوّنة من الكراسي (العربي الجديد)
+ الخط -

كانت صناعة أثاث المنزل من القشّ فكرة عبقرية للبشر، تحديداً المزارعين، الذين كانوا يدوّرون مخلفات زراعتهم، ويحوّلون الألياف اليابسة" الى كراسٍ وغيرها.

اليوم، ورغم قلّة الطلب على كراسي القشّ، إلا أن بعض الحرفيين اللبنانيين مستمرّون في صناعتها مع لمسات تجديد، مثل كراسي القشّ الهزازة، والكراسي الخاصّة بالحدائق والمرافق السياحية ذات الطابع الفلكلوري.

تعلّم سهيل كوسا مهنة صناعة كراسي القشّ من أخيه الذي ورثها عن والدهما، وعنها يقول: "تعتمد هذه الحرفة على الخشب وحبال القشّ التي نستوردها من الهند، ومنهما تُصنع هذه الكراسي التي تتّخذ أشكالاً وأنواعاً متعددة. بعضها مخصّص للسفرة، وللحدائق، إضافة إلى كراسي الحمام الصغيرة، وطبعاً كان لا بدّ من توسيع المصلحة لزيادة الدخل، لذا أضفنا عليها مصلحة الخراطة والدهان، وصناعة الكراسي الهزازة والطاولات التي يعلو سطحها القش".

رغم أنّ القطاع السياحي هو أكثر من يطلب كراسي القشّ، إلا أنّ هذا خفّ مؤخراً، إلا من قبل بعض المطاعم والمنتجعات التي تتخذ طابعاً فلكلورياً، ولتعويض هذا النقص في الطلب لجأ الحرفيون إلى حيلة لطيفة، اذ راحوا يلونون حبال القشّ بالوان زاهية، تجذب الأطفال والعائلات، كما يقول كوسا.

وتتنوّع الصناعات الخشبية بين أنواع مختلفة من الكراسي الصغيرة والكبيرة والكنبات وكراسي السفرة، وأخرى للاستخدام الخارجي أو الداخلي، فضلاً عن السلال و"الطبليات" وسواها، يتداخل فيها الفن بالصناعة وجودة الخشب وإن كان بعض الحرفيين يستعين بين فينةٍ وأخرى بـ "النايلون" الملوّن بدلاً من القش، ويعود هذا الأمر إلى مزاجية المشتري الذي يقرّر قبل التصنيع ماهية طلبه، لكن الأولوية تبقى للقشّ غالباً.

ويلفت سهيل إلى أنّ صناعة كراسي القشّ والسلال لم تعد تلك المهنة التي تلقى رواجاً كما كان الحال في السابق، بل صارت تندرج ضمن إطار ومفهوم التراث وتوضع خارج المنزل وليس داخله، سواء على الشرفات أو في الحدائق، وفي ذلك دلالةٌ على أنّ مكانتها قلّت ولم يعد مرحّباً بها في المنزل، مقارنةً بالمقتنيات الأُخرى. وهذا يؤثّر سلباً عليها، فهي تتعرّض للعوامل الطبيعية الخارجية، ويسبب المطر وأشعة الشمس لها التلف المبكر، لأنها مواد طبيعية هشّة، وسرعة تعرّضها للتلف تدفع إلى تخفيض ثمنها.

والعديد من الحرفيين فضّل التغيير لأنها لم تعد تعتبر مورداً ثابتاً للرزق، حيث أن سعر الكرسي الواحد، صغيراً كان أم كبيراً، لا يتعدى بضعة آلاف الليرات اللبنانية أي بضع دولارات أميركية، وتستغرق صناعة كل كرسي صغير ما يقرب العشرين دقيقة، بعكس الكرسي الكبير الذي يستغرق إنهاؤه نصف ساعة.

ويختم سهيل قائلاً: "كثيرون يزورون متاجرنا لرؤية البضاعة أو للشراء، ولكنّ القاسم المشترك هو تلك الابتسامة التي ترتسم على وجوههم وهم يتأملون هذه الكراسي، حتى أن أحدهم قال لي مرّة أنّ كرسيّ القشّ تذكّره ببيت جدّه وبطفولته، وبعضهم قال أيضاً إنّها تشعره بالحنين الدفين إلى الماضي".
المساهمون