فلافل.. أخيراً

25 ابريل 2015
فلافل "يابانيّة" (Getty)
+ الخط -

"كل يوم سوشي!" تسأل باستهجان، وهما في طريق عودتهما بعد يوم عمل طويل. "طيب، شو عبالك اليوم؟"، يجيب محاولاً إخفاء التوجّس العميق في صوته. فتغنج اتجاهه قائلة: "فلنجرّب الفلافل، لم أتذوّقها يوماً، أصحابي في العمل يتحدّثون عن المطاعم الرائعة التي تقدّمها، وعن أنواعها المختلفة والصلصة العاجية، ما اسم تلك التي تقدم معها! واللبن.. آه"! 
لكن، وكما تعلمين، نقدم على آخر الشهر، فلنؤجّلها إلى الأسبوع المقبل، يقولها بانكسار. لا تهتم. ادخرت بعض المال من الشهر الماضي لهذا المشروع، أدعوك على حسابي، تجيبه مبتسمة.

يرفض الدعوة، لكن حين رفع رأسه ورأى عينيها مليئتين بالحزن الطفولي، وشفتين مزمومتين، ضعفت إرادته، فوافق. ترافَق مع صرخة فرحها، تناوُل هاتفها من الحقيبة، لتّتصل بأحد أهم مطاعم الفلافل في المدينة المطل على ضفاف نهر سوميدا لاسكوسا. فقد هيّأت نفسها لهذا اليوم وتزوّدت بكل ما يلزم لهذا المشروع من تفاصيل ومعلومات. تنهي الاتصال، وتضمّ الهاتف إلى صدرها وتغمض عينيها.. موعدنا عند الساعة الثامنة.. فلافل.. أخيراً!

اختارا الجلوس على "البار"، على مقربة من النافذة، ليتسنّى لهما التمتّع بمشاهدة طريقة تحضير كل خطوات طبقيهما.

لم يلتفتا إلى النهر في الخارج، بل ركّزا نظريهما في أرجاء المطعم الأنيق، يتأمّلان الزبائن، والديكور، مستمعين إلى صوت شجي على وقع موسيقى شرقية.

صورة بالأبيض والأسود على أحد الجدران، لشارع بأبنيته المبنيّة بالأحجار الصخرية، ورجال، يرتدي معظمهم سراويل واسعة ويضعون على رؤوسهم قبعات تتدلى من أطرافها الخيوط. صورة أخرى، لشاطئ صخري ترتفع من مياهه صخرتان عملاقتان، في إحداهما تجويف يشبه المغارة. صورة ثالثة، لامرأة تغني، فعرفا أنّها هي صاحبة الصوت الذي يمنح المكان جواً خاصاً. وصورة رابعة، لرجل بشاربين طويلين معكوفين، يعطي أحدهما المصور قرصاً من الفلافل التي تصطف حول مقلى الزيت. هذه هي الفلافل؟ سألها. فترمش بعينيها، لتؤكّد له أنّ هذه هي الفلافل التي تنتظر بلهفة وهيام تذوّقها.

يعودان إلى الواقع، والزيت على النار يغلي أمامهما. يتأمل كل منهما حرفة النادل في تحضير الفلافل وأطباق أخرى من الحبوب المتبّلة، فيما ينهمك الثاني في لفّ أكثر من ثلاث سندويشات في الوقت عينه، ويتولى الثالث مهمة تزيين الصحون بأشكال شهيّة مختلفة.

يفرش الأوّل، تلك الأرغفة الدائرية الصغيرة ويهرس في كل منها عدداً من الأقراص الساخنة بلونها البني المائل إلى الاحمرار، ليعود ويزيّنها بأنواع مختلفة من الخضار (بندورة، بقدونس، نعناع، لفت، حرّ، خسّ)، ليحوّل السندويش إلى حديقة غنيّة بالأطايب، وينهي مهمته بتوزيع الصلصة العاجية بشكل متوازن.

بين تذوّق الفلافل في طبق عادي أو تناولها بما يعرف بالخبز العربي، اختارت الأولى، لأنّها لم تشعر أنّها قادرة على خوض التجربة وفق أصولها التقليديّة، ولتتجنّب في الوقت عينه، الآثار السلبيّة لهذا النوع من الطعام، بعد أن ذكرت لها صديقتها في أكثر من مناسبة، عن احتواء هذه الوجبة على سعرات حراريّة إضافيّة.

أصبحت أطباقنا جاهزة، تقولها مبتسمة، وعيناها تراقب طريقة تناول الزبائن للسندويش بشكل متمرّس، علّها تتعلّم الطريقة وتتجنّب الفضيحة.

نتركهما لساعة من الزمن، ليتذوّقا ذلك الطعم الغريب، ونعود، فلا نجدهما. لقد غادرا المطعم اللبناني الرائع، "فلافيلو"، على ضفاف نهر سوميدا لاسكوسا في طوكيو.

على الرغم من اختفائهما المفاجئ، لكن إذا أردنا معرفة تجربتهما، علينا البحث على حسابيهما الشخصي عبر فايسبوك لصورة تجمعهما معاً، على طريقة الـ"سلفي"، كما تجري العادة اليوم، وأمامهما الطبق الكبير من الفلافل المتنوعة التي أعدّها لهما الشيف الذي لم يستطيعا حفظ اسمه لصعوبته. وحين نجد الصورة، علينا أن نلمّ باللغة اليابانية، عندها سنكتشف مضمون التجربة والمغامرة الشيّقة التي عاشاها، لأنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ التعليق مكتوب باللغة اليابانيّة وترافقه كلمة أصبحت متدوالة اليوم، "فلافلينغ".


اقرأ أيضا:
"الفلافل" كباب الفقراء
المساهمون