المائدة المكّية.. أطباق تعكس إرث الحجاز المتنوّع

16 فبراير 2015
العائلات المكية تربط مائدتها التقليدية بتراثها (Getty)
+ الخط -
لا تملّ العين من النظر إلى المائدة المكيّة، بسبب ما تمتاز به من تنوّع وغنى، فمائدة مدينة مكّة حافلة بمختلف الأطباق الشهية القادمة من حضارات شتى، نظراً لتوافد الحجّاج والمعتمرين عليها طوال أيّام العام، وانفتاح أهلها على مختلف شعوب الأرض، لذا نجد مائدة المكّيين تضمّ تشكيلة واسعة من أطعمة سكان المناطق الساحلية والجبلية والصحراوية.

تتكوّن هذه المأدبة بالتالي من: المربّى بأنواعه، ومنه مربّى "الششني"، والأجبان بأنواعها أيضاً، تحديداً الجبن البلدي، والهريسة، واللبنية، وحلاوة اللدو، واللوزية، وحلاوة شعر، والزيتون بأنواعه، والمخللات... تؤكل كلّها مع الخبز الحجازي الشهير مثل خبز الشريك البلدي وخبز الحبّ وخبز الفتوت.

وقد شهدت السنوات الأخيرة محاولات حثيثة لإنقاذ "التعتيمة" من الاندثار، إذ تمّ إحياؤها من جديد بمجهود أبناء الحجاز، وهي تشهد حالياً إقبالاً كبيراً باعتبارها من التقاليد الشعبية التي تجمع الأحبّة والأهل والأصدقاء، وبات أهل مكّة يحرصون على إقامتها، ولا يدعون الأطباق المعاصرة تلهيهم عنها، كما قامت المطاعم في البلاد بتوفير أطباق هذه المأدبة وتوصيلها إلى المنازل أيضاً، وفي المقابل تحرص سيّدات مكّة على إعدادها في منازلهن.

وفي الماضي كانت "التعتيمة" أوّل مائدة طعام تمدّ في بيت العروسين بعد انتهاء حفل الزفاف، اذ كانت تجمع أهل العريس والعروس والمقرّبين منهم، وكان يتمّ إحضار طبّاخ خاصّ لعمل "التعتيمة" في المنزل، كان يُطلق عليه قديماً اسم "العشي"، أي الذي يحضّر العشاء.
كما كانت "التعتيمة" تزيّن المائدة الحجازية طوال فترة مراسم الزواج، والتي قد تستمرّ لعدّة أيّام، قد تصل إلى الأسبوع، تبدأ بليلة قراءة الفاتحة وليلة الملكة وثمّ الغمرة ثم ليلة الفرح ومن ثم الصبحة.

ويذكر أنّ مسمّى "التعتيمة" مشتقّ من عتمة الليل، الذي يتزامن مع وقت إقامة المناسبات والأفراح، حيث كانت تقدّم في الليل كوجبة عشاء، وفي الوقت الحالي باتت تبسط أمام الضيوف، إلى جانب مائدة رئيسية تضمّ أطباقاً حجازيةً رئيسية، تدخل في إعدادها اللحوم والأرز والمعجّنات والخضار والحلويات الدسمة.


هنا تفصيل لأبرز أطباق التعتيمة:
الهريسة: تُصنع من اللوز الحجازي ودقيق الحمّص والسمن البرّي أو الزيت النباتي، مع إضافة البهارات الخليجية المختلفة التي تكسب الهريسة طعماً مميّزاً. وتتميّز خلطة البهارات الخليجية بتأثّرها بالمطبخ الهندي بشكل كبير والفارسي في درجة ثانية.
اللدو: يتمّ تصنيعه من دقيق الحمّص واللوز والسكّر مع الزيت النباتي والهيل.
اللبنية: من الحلويات المفضّلة لدى المكيين وتحضر باستخدام حليب البقر مع إضافة ماء الورد والكادي والزيت النباتي والسكّر.
المربّى: يصنع من القرع أو الدباء.

ومن أطباق مكّة الشعبية المشهورة الأخرى:
الكابلي الحجازي المحضّر من اللحم أو الدجاج، مع إضافة العديد من المكونات مثل: الأرز والبهار والملح والزبادي، والحمص والجزر، وقشور الليمون والبرتقال المبشورة، والبصل، والكزبرة، والزنجبيل.

حيث يحمّر البصل والثوم والزنجبيل ويضاف اللحم ويتمّ تقليبه، وبعدها توضع الكزبرة وقشر البرتقال والليمون ومقداراً من ماء الكادي ويستمر التقليب ومن ثم تضاف الطماطم المطحونة مع التقليب ويضاف الزبادي ومعجون الطماطم والبهارات والملح، ونصف كأس كبير ماء حار ويترك الخليط على النار لمدة 30 دقيقة، وبعدها تتمّ إضافة قطع البطاطس والأرز إليه. كما يوضع في وعاء آخر الحمص ومبشور الجزر ويقلّب مع قليل من الزيت والفلفل الأسود وصلصة الصويا، حتى يصبح لونها ذهبياً، وتوضع على وجه طبق الكابلي الذي يتمّ تزيينه بشرائح الليمون والبيض المسلوق والكزبرة.

طبق "السقط"، وهو يسمّى أيضاً "تقاطيع"، هو من المأكولات الشعبية المكّية المعروفة، وتحضّر هذه الوجبة من الأحشاء الداخلية للذبيحة، كالكبد والكرشة والقلوب... ويضاف إليها الحنطة بعد غسلها وتنظيفها، وتطهى بنار قويّة لتنضج، كما يضاف للمزيج عدد من البهارات كالقرفة والكمون والفلفل والشيب، ولدى إضافة عصير الطماطم إلى مكوناتها تسمى كمّونية.

أما "المنتو" فهو من المأكولات التي جلبها التركستانيون إلى مكّة، وتتكوّن من قطع العجين التي يتمّ فردها وتقطيعها قطعاً صغيرة تُحشى باللحم المفروم، المضاف إليه بعض البصل المفروم المشوي، ثم تجمع أطراف العجين بحيث تُغطى الخلطة وتوضع مجموعة من القطع على مصفاة خاصة موضوعة على فوهة قدر يغلي بالماء، إلى أن تنضج قطع العجين على بخار الماء، ثم تقدم للأكل.

و"المطبّق" هو إحدى الأكلات الشائعة والسريعة، وهو عبارة عن فطيرة محشوّة باللحم المفروم ومقداراً من الكرّاث المفروم والبيض. تُخلط وتُوضع داخل العجينة المفرودة، وتُطبق على الحشوة، ويتمّ قليها في صاج كبير، هذا في حال كان المطبق مالحاً، أما إن كان حلواً، فيتمّ استبدال الحشوة بالموز والسكّر، أو الجبن الحلو أو القشدة، ويخبز بالطريقة ذاتها التي يصنع بها المطبق المالح.

العصيدة التركية، وتسمى أيضاً بطعام الحرب، ويقال بأنها وصلت للحجاز أيّام الحرب العالمية الثانية، وهي مكونة من: السكّر والدقيق والزيت أو السمن والزعفران والهيل. وبعد مائدة عامرة مزيّنة بالحلويات، لا بدّ من قهوة متميّزة، هي عند المكيين معروفة باسم "قهوة ستّنا خديجة"، وهي نوع من القهوة المرتبطة بالمناسبات السعيدة لدى الحجازيين مثل مناسبة النجاح، ختم حفظ القرآن، عودة الغائب، قدوم ضيوف أعزاء.

وتحضّر هذه القهوة المنسوبة إلى أولى زوجات الرسول، من حليب محلّى يضاف إليه دقيق الأرز، وهيل مطحون، لوز مسلوق ومدقوق، ولوز محمص ومدقوق للتزيين. فبعد أن يتم تسخين الحليب يضاف اللوز المسلوق ودقيق الأرز مع التقليب المستمر، ومن ثمّ يتمّ وضع الهيل، وبعد أن تصل القهوة للكثافة المطلوبة تصبّ في أكواب وتقدّم ساخنة.
المساهمون