هكذا تطوّر النشيد الوطني المصري

20 ديسمبر 2015
أطفال مصريون يؤدون النشيد الوطني (Getty)
+ الخط -
لفكرة "النشيد الوطني" جذور تاريخية تعود للقرن السادس عشر. وهو في أبسط تعريفاته نص شعري أو نثري مع قالب من الموسيقى الحماسية. وهو عمل يهدف أساساً إلى بث الروح الوطنية في نفوس الجنود في الميدان، ثم أنيطت به أدوار تربوية واجتماعية وسياسية.

أصبح عزف النشيد الوطني تقليداً رسمياً في أوروبا مع ارتفاع النزعة القومية في القرن التاسع عشر. ويعد السلام الوطني للمملكة المتحدة من أقدم الأناشيد التي اعتمدت رسمياً وعنوانه: (حفظ الله المُلك) وكان ذلك سنة 1745. ولا يشترط أن عصر تأليف كلمات السلام الوطني يوافق عصر اعتماده، فالنشيد الياباني الذي استخدم سنة 1880عبارة عن أبيات مأخوذة من قصيدة ألفت في عام 794 ميلادي.

السلام الوطني المصري، هو الأول عربياً. وكان واضحاً من قصته الأولى أنه كان وليد تأثر بالعلاقات المصرية الأوروبية، وكان سلاماً موسيقياً مجرداً من الكلمات. وسرعان ما تلاشى من الذاكرة الجمعية المنوطة بحفظ هذا النوع الفني، فقد ألفه موسيقي إيطالي هو (جوزيبي فيردي) للخديوي إسماعيل، ليعزف في حضرة الأجانب سنة 1869، بعيداً عن أي اعتبار للشعب صاحب الوطن.

إقرأ أيضاً: نجوم الأغنية السياسية وجمهور الأغنيات الراقصة

تفاجأ المصريون سنة 1908 أثناء زيارة وفد من رومانيا للقاهرة، أن بروتوكول الترحيب بالضيوف يحتوي عزف النشيد الوطني الروماني، فبحثوا عن نشيد مصري موازٍ فلم يجدوا، فكانت أولى المحاولات نشيداً كتبه الشاعر، علي الغاياتي، ضمن ديوان من الأغاني الوطنية، بتوجيه من السياسي في الحزب الوطني القديم، محمد فريد، وكان مطلعه "نحن للمجد نسير/ ولنا اللهُ نصير".

غضبت الحكومة المصرية آنذاك، والتي كانت خاضعة للحماية البريطانية، فصودر الديوان وحكم على الغاياتي بالسجن سنة وعلى محمد فريد بالسجن ستة أشهر جراء هذا الفعل الذي اعتبروه "شنيعاً".

ومع ثورة 1919 ضد بريطانيا، احتاجت الجماهير إلى نشيد حماسي؛ فكتب بديع خيري بالعامية: (قوم يا مصري مصر دايما بتناديك) ولحنه سيد درويش، واحتفى به الناس، لكن الحكومة لم تعترف به نشيداً رسمياً للبلاد.

كانت محاولة طلعت حرب سنة 1920، إذ أقام مسابقة لتنظيم أول نشيد قومي عبر لجنة من النقاد، فاتفقوا جميعاً على قصيدتين إحداهما لأحمد شوقي مطلعها:
(بني مصر مكانكما تهيا/ فهيا مهدوا للملك هيا)
والثانية لمحمد الهروي ومطلعها:
(دعت مصر فلبينا كرامة/ ومصر لنا فلا ندع الزماما)
وأيضاً لم تعترف الحكومة بهذه المسابقة. كما لم تعترف أيضاً بالنشيد الذي تقدم به الأديب عباس العقاد، ومطلعه:
قد رفعنا العلم
للعلا والفدا
في عنان السماء
حي أرض الهرم
حي مهد الهدى
حي أم البقاء
كم بنت للبنين
مصر أم البناة
من عريق الجدود
أمة الخالدين
من يهبها الحياة
وهبته الخلود
فارخصي يا نفوس
كل غال يهون
وهبته الخلود
إن رفعنا الرؤوس
فليكن ما يكون
ولتعيش يا وطن
ولتعيش يا وطن
ويقال إن الحكومة اعتمدت نشيد (اسلَمي يا مصر) لمؤلفه مصطفى صادق الرافعي، فكان نشيداً وطنياً في الفترة من 1923 حتى 1936. وهو النشيد الذي يستخدم حاليا كنشيد لكلية الشرطة، غير أن هذا الأمر يحتاج إلى توثيق تاريخي يكشف حقيقة هذا الادعاء وظروف موافقة الحكومة المتعنتة، ثم أسباب التخلي عنه لاحقاً.

وجدت الحكومة نفسها في مأزق حين قررت الاشتراك في دورة الألعاب الأولمبية ببرلين سنة 1936، فقامت بعمل مسابقة لاختيار نشيد وطني رسمي يرافق رفع العلم، فوقع الاختيار على نشيد من تأليف، محمود الصادق، ولحنه، عبد الحميد زكي، ويقول مطلعه:
بلادي بلادي فداك دمي
وهبت حياتي فدى فاسلمي
غرامك أول ما في الفؤاد
ونجواك آخر ما في فمي
سأهتف باسمك ما قد حييت
تعيش بلادي ويحيا الوطن
بلادي بلادي إذا اليوم جاء
ودوى النداء وحق الفداء
فحيي فتاك شهيد هواك
وقولي سلاما على الأوفياء
سأهتف باسمك ما قد حييت
تعيش بلادي ويحيا الوطن

ومع قيام ثورة يوليو سنة 1952 تم إلغاء هذا السلام الوطني بحجة انتمائه للفترة الملكية والنفوذ البريطاني، وتم توجيه التلاميذ لحفظ قصيدتين شهيرتين بدلاً منه كلتيهما لأحمد رامي، الأولى غنتها أم كلثوم:
مصر التي في خاطري وفى فمي
أحبها من كل روحي ودمي
يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها
حبي لها
بني الحمي والوطن
من منكم يحبها مثلي أنا
نحبها من روحنا
ونفتديها بالعزيز الأكرم
من عمرنا وجهدنا

والثانية غنتها ليلى مراد:
على الإله القوي الاعتماد
بالنظام والعمل والاتحاد

لكن في سنة 1956، وبعد العدوان الثلاثي؛ اختار جمال عبد الناصر نشيداً وطنياً من تأليف صلاح جاهين وهو:
والله زمان يا سلاحي
اشتقت لك في كفاحي
كان هذا السلام الوطني صالحاً بكلماته للتعبير عن الحالة المصرية الناصرية وصراعاتها، لكن بعد أن وقعت الحكومة المصرية اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، كان لا بد من التغيير؛ فاختار أنور السادات عام 1979 النشيد الحالي (بلادي بلادي بلادي/ لك حبي وفؤادي) وهو من تأليف يونس القاضي وتلحين سيد درويش، وأعاد تلحينه وتوزيعه لاحقا الموسيقار محمد عبد الوهاب. وهو نشيد قد يُقيّم من الناحية الفنية بالضعف، ولغته تخلط بين الفصحى والعامية.
وكلمات هذا النشيد مقتبسة من خطبة شهيرة للزعيم مصطفى كامل سنة 1907، يقول فيها:
بلادي بلادي لك حبي وفؤادي
لك حياتي ووجودي،
لك دمي، لك عقلي ولساني،
لك لُبي وجناني، فأنت أنت الحياة،
ولا حياة إلا بك يا مصر.


إقرأ أيضاًحملة توثيق حي وادي الصليب في حيفا قبل اندثاره
المساهمون