الأردن: كنز هرقل يطيح "داعش".. وينصّب "باحش"

24 سبتمبر 2014
حلم الثراء وعدم الثقة بالمسؤولين (Getty)
+ الخط -

تكفّل إغلاق غير مبرمج نفّذته القوات المسلحة الأردنية، لأحد طرق محافظة عجلون شمالي الأردن، صباح الخميس الماضي، ودام قرابة 17 ساعة، بولادة أسطورة العثور على "كنز هرقل" الهائل، المكوّن من صناديق وتماثيل ذهبية وأحجار كريمة، فتح المواطنون "بورصة" على قيمته ووصلت إلى مليارات الدولارات، وهي في صعود.
نهاية "الكنز" الذي استُخرِج من قارعة الطريق، كانت تقليدية جداً، وكما كلّ نهايات الأساطير المتكرّرة عن العثور على الذهب في الأردن، قبل أن تمسّه أيدي المواطنين، الذين عبَروا من فوقه، مراراً وتكراراً، امتدّت إليه أيد خفية، نقلته إلى مكان خفيّ، على مرأى من الحشود التي راقبت عن بعد ناقلات حضرت فارغة وغادرت محمّلة.
المختلف في التعامل الشعبي مع "كنز هرقل"، عن غيره من الكنوز التي انسلّت سريعاً إلى الذاكرة الأسطورية للأردنيين، مقاومته المحاولات الرسمية لتكسير الأسطورة ودحضها، ورفضه تصريحات جاءت من مختلف المستويات نافية وجود الكنز.
المسؤولون الأردنيون تسابقوا إلى نفي وجود "الكنز". فنفاه محافظ المدينة عبد الله السعايدة، وقائد شرطتها، ونفاه الناطق باسم الحكومة محمد المومني، ووزير السياحة والآثار نضال القطامين. غير أنّ كلّاً منهم ساق في نفيه تبريراً مختلفاً عن تبرير الآخر، لسبب إغلاق الطريق. فمنهم من أعلن أنّ السبب هو "القيام بأعمال صيانة". وآخر قال إنّه "معالجة انهيارات أرضية"، وثالث إنّها "أعمال خاصّة بالقوّات المسلّحة". وهو المبرّر الذي تمسّك به وزير الداخلية حسين المجالي في إفادته أمام لجنة النزاهة، في مجلس النواب الأردني، رافضاً الحديث عن طبيعة تلك الأعمال على اعتبارها أسراراً عسكرية.
جميع المبررات رفضها المواطنون، وشكّك فيها أعضاء في مجلس النواب، وجميع من نفى وجود الكنز متّهم بالكذب، من قبل المتلهّفين للثروة. ولقطع الشكّ باليقين طالب ممثّلو الشعب بلجنة تحقيق محايدة، فيما يتحضّر مواطنو المحافظة للاعتصام للمطالبة بحقّهم وحصّتهم في الكنز. وتفتّحت شهية الأردنيين على المطالبة بنصيبهم من الثروة.
ولا يلقي المواطنون بالاً لشهادات خبراء الآثار التي تستبعد وجود كنزٍ لهرقل في المحافظة الشمالية، مستندين إلى معلومات تاريخية تقول إنّ الإمبراطور الروماني أقام في العاصمة عمّان، ويدلّلون على ذلك ببقايا معبده الموجودة على جبل القلعة في العاصمة. المعبد الذي بناه الرومان قبل 2000 عام تقريباً. ويقتنع عدد كبير من المواطنين بوجود الذهب في عجلون، وهي محافظة تعجّ بالآثار، ويُقدّر عدد المواقع الأثرية المسجّلة فيها بأكثر من 250 تنتمي إلى مختلف الحضارات والحقب التاريخية.
قبل بزوغ أسطورة كنز هرقل بساعات، كانت حوارات الأردنيين تتمحور حول قضية واحدة فقط، هي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومخاطرها المفترضة على مملكتهم. وأصبحت كلمة (داعش) من أكثر الكلمات المستخدمة في أحاديث المواطنين، تحليلاً وجدلاً وتهكّماً. لكنّ الكنز المفاجئ أطاح بمكانة (داعش) خلال لحظات، وصار الذهب قضية الأردنيين الأولى، الذين "تحوّلوا" إلى علماء آثار ومنجّمين، في محاولاتهم إثبات وجود الكنز، وإلى اقتصاديين في تحليلاتهم حول السبل الأفضل لاستغلاله بالطريقة الأمثل.
مواقع التواصل الاجتماعي حفلت بتعليقات الأردنيين اللاهثين للحصول على حصّتهم من الكنز. وفيما طالب ناشطون ومغرّدون بتوزيع الكنز بالتساوي بين المواطنين، اقترح آخرون استغلاله لسداد مديونية المملكة، وتنفيذ مشاريع تنموية.
وكلّما قل بريق الذهب، تراجعت أحلام المواطنين، الذين تهكّموا على رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور، ناشرين تصريحات ساخرة تقول على لسانه: "الذهب اللي فضحتونا عليه طلع روسي"، و"من أبو النسور إلى هرقل زعيم الروم: الأمانة وصلت".
ومع إصرار المسؤولين على نفي وجود الكنز، كتب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم (هاشتاغ) #باحش، متّهمين شخصيات محسوبة على نظام الحكم بسرقة الكنز. وبعضهم مقتنع بأنّ مصير كنز هرقل في طريقة إلى ملاقاة مصير غيره من الكنوز التي عُثِرَ عليها سابقاً.
وفي غمرة حديث الكنز عاد المعلّقون ليتذكّروا وليّ عهد الأردن الأسبق الأمير الحسن بن طلال. وهو لاحقته طويلاً تهمة الاستحواذ على الكنوز والثروات التي كان يتم العثور عليها. فكتب أحدهم: "زمان كان للحسين (الملك الراحل الحسين بن طلال) ما فوق الأرض وللحسن (ولي العهد الأسبق) ما تحتها"، متسائلاً: "اليوم من يحصل على ما تحت الأرض، بعدما استحوذ (باحش) على الكنز؟".
المساهمون