السوق العتيق في صيدا إرث.. وحرف وتراث

18 يونيو 2014
صيدا السوق العتيق، تصوير خليل العلي
+ الخط -
عندما تصل إلى مدينة صيدا، تدخل السوق العتيق الذي يحفر التراث خلف جدران الزمن، في تاريخ محفور في أقبية حجرية، في دكاكين حرفية، في زقاق السوق القديم المتعرج، وفي خان الإفرنج، وفي الأزقة التي تطل بك على قلعة صيدا القديمة، وأخرى على السراي.

صيدا مدينة كتبت التاريخ القديم على طريقتها، كتبته بقلعتها البحرية الشامخة بهندستها التي تسردها حجارتها وأعمدتها وقناطرها التي ألّفت مع البحر قصتها. "تعود القلعة الصليبية العهد للقرن الثالث عشر للميلاد، حيث نحتت من حجارة ومن جذوع أعمدة أخذت من أنقاض أبنية قديمة يعود بعضها للعصر الروماني".

ترسم القلعة أيامها على طريقتها، لتنطلق ناحية السوق، حيث تتزاحم أصوات الباعة مع الناس والزمن في آن معاً، وتسير في أروقة ضيقة متلاحمة مع بعضها، بشكل منقطع النظير، وحجارتها تتزاوج مع أقرانها، وعندما تتوغل في عمق السوق الذي يجذب "السائحين" بفنه التشكيلي الواقعي بألوانه المختلفة، تجد المنجد، الإسكافي، اللحّام، الكندرجي، الخياط، جميعها حِرف أخذها أصحابها عن الأجداد، وحموا ما توارثوه عن الآباء، يرسمون نمطية سياسية خاصة لا تعير عنجهيات السياسة الخارجية بشيء، لأنهم أحفاد التاريخ"، وفجأة يصمت سوق صيدا العتيق على موسيقى النجّار المنبعثة من سوق النجارين القديم الطراز، موسيقى تبعثك على التأمل في لا حدودية المكان "المحنك"، المتفلت من قبضة "العولمة" المستجدة، "عولمة" لم تجد لها معبراً لداخل السوق، السوق الذي يقص تاريخه على طريقته، فالحرف تقاوم حضورها وسط الحداثة الجديدة، كما يكتب أهل المدينة القديمة العديد من القصص، ببعدها الجميل في ترابط العيش وتلاحمه، فالألفة بين سكانه، تعود لحميمية المكان، الذي يتعركش بدراجات هوائية قادمة، زعيق باعة وعجقة زوار، تلك الصور تدفع المرء لاستكشاف الحياة البسيطة التي يعيشها أهل المدينة. كما ينتشر على جانبي السوق إرث غابر بلون آخر، يضفي عليها روحية الترميم التي لامسها السوق ضمن إطار مشروع "الإرث الثقافي والتنمية المدنية" لترميم أسواق صيدا.

 هكذا يبدو السوق قطعة فُسيفسائية معتقة بألوان تقتحمها فجأة، كل منها لونه وليد حركته، وزقاقه ما أعطى السوق العتيق مكانة مميزة. ولا تكتمل زيارة السوق إذا لم تعرج على خان الإفرنج، ذي الفن المعماري الإسلامي، والطراز التوسكاني. في حضرته تتعرف على جدلية النهضة العمرانية التي عرفتها صيدا في عهد فخر الدين، ويتألف من ثلاثة أقسام. الأول: الخان الكبير، حيث تقوم معارض التجار والإصطبلات والحمامات، وفي الطابق العلوي غرف نوم التجار والملاحين. الثاني: البيت القنصلي ويجري دخوله بواسطة درج حجري من ناحية سوق البازركان يؤدي مباشرة إلى الطابق الأول، ويتألف البيت القنصلي من غرف متنوعة، وقد كان مخصصاً لممثل الملك الفرنسي، وإلى جانب البيت القنصلي بنيت كنيسة تعرف باسم "تراسنتا" أي الأرض المقدسة وهي مهملة حالياً، أما الخان الصغير، فيقع إلى الجنوب الغربي من الخان الكبير ويتصل مباشرة بالبيت القنصلي، وتنظم فيه مهرجانات واحتفالات فنية وثقافية ونشاطات مختلفة ومعارض حرفية.

وصيدون أو صيدا، ثالث كبرى المدن اللبنانية وعاصمة محافظة لبنان الجنوبي. وتعود تسمية المدينة إلى انتشار الصيد فيها، نظراً لوقوعها على ساحل البحر المتوسط. وقد ذكر في سفر التكوين أن عبارة صيدا معناها "المولود الأول" لسلالة كنعان، حفيد نوح التي يعود أصلها إلى 4 آلاف سنة قبل الميلاد، إلى الحقبة النيوليتية (6000- 4000 عام ق.م)، يوم كانت من "مدينة فينيقيا المقدسة" وأقدمها في العالم.

وعلى تخوم السوق، وبينما أنت منشغل في البحث عن تاريخ صيدا التي عايشت الأشوريين والبابليين والمصريين والإغريق والرومانيين والعثمانيين، وزارها السيد المسيح، تنقشع أمامك "قلعة القديس لويس التاسع" ملك الفرنجة الذي قاد الحملة الصليبية السابعة (1248–1254)، فهي تقبع على قمة التل القديم الذي يشرف على المدينة التي بنيت على أنقاض قلعة تعود إلى العهد الفاطمي وتنسب إلى الخليفة المعز (952 –975). 
المساهمون