ونشر وزير الاتصال الجزائري الناطق الرسمي باسم الحكومة، عمار بلحيمر، بياناً حاداً ضد "مراسلون بلا حدود"، قال فيه "الغريب في الأمر هو أن تختار بعض المنظمات غير الحكومية التي تمتهن الدفاع عن حرية الصحافة الجزائر لتراقب مدى احترام هذه الحرية في العالم"، و"هناك بعض الدول لا تخضع لهذه المراقبة رغم أنها لا تحصي سوى عدد قليل من العناوين تحت سيطرة أجهزة المخابرات".
واتهم وزير الاتصال "مراسلون بلا حدود" بتجاهل جهود الجزائر في دعم الصحافة، قائلاً إن "بعض المنظمات غير الحكومية على غرار منظمة (مراسلون بلا حدود) الفرنسية لم تكن تفتح أعينها أو بالأحرى كانت تتجاهل المساعدات التي كانت تقدمها الدولة بمختلف أشكالها"، و"مع أن هذه المهنة تحصي 8000 صحافي لا يعانون من ظروف عمل تعجيزية أو من تقييد للحريات كما يحدث في العديد من الدول في العالم، لا يُسلط الضوء إلا على ثلاثة أو أربعة صحافيين فقط. ويُقدّم هؤلاء دائماً كضحايا لحرية المعلومة، مع أنهم في الواقع يحترفون زرع الفتنة، ويسهل التفريق بينهم بسبب هجماتهم المغيظة والمستمرة على رموز الدولة الجزائرية".
وذهب الوزير بلحيمر بعيداً في كيل اتهامات للصحافيين الملاحقين بالعمالة للخارج، وقال "هم نفس الصحافيين الموجودين تحت الحماية الدائمة لقوى أجنبية تدافع عنها (مراسلون بلا حدود) بلا هوادة، ذلك أن بعض المراسلين تم ترسيمهم كذلك". وزعم بلحيمر أن مواقف المنظمة من الجزائر مرتبطة بمصادر تمويلها في فرنسا والولايات المتحدة، مسخراً التاريخ الاستعماري في دفاعه المستميت عن ممارسات السلطات الجزائرية القمعية. وحاول تبرير سلوك السلطات بالإشارة إلى تقديمها "إعانات" في مجال الطباعة للصحف.
وأثار بيان وزير الاتصال ردود فعل غاضبة من الصحافيين والناشطين الحقوقيين؛ إذ علّق المحامي عبد الغني بادي، وهو عضو هيئة الدفاع عن الصحافيين الموقوفين كخالد درارني، أن "وزير الاتصال تحدث بصفة قاضي التحقيق أو صفة قاضي الحكم، وتصريحاته تقترب جداً أو تحاكي أحكاماً قضائية، وتداخل بين السلطات، بشأن ملفات بين أيدي القضاء"، واعتبر أن ما يقوم به بلحيمر كل مرة عبر وسائل الإعلام الرسمية ووكالة الأنباء هو تأثير على أعمال القضاة في ملفات مطروحة أمامهم من دون وجاهية وحق الرد، وكتب في تغريدة نشرها "الأمر صار مزعجاً فعلاً، والتحامل على الصحافي المسجون صار واضحاً".
كانت السلطات الجزائرية أقدمت على اعتقالات وملاحقات طاولت عدداً من الصحافيين، مثل مراسل "مراسلون بلا حدود" خالد درارني الذي اعتقل أثناء أداء مهامه الصحافية وأودع السجن المؤقت، والصحافيين في صحيفة "الصوت الآخر" محمد لعماري ومريم شرفي ورفيق موهوب الموقوفين منذ بداية إبريل/ نيسان الحالي بسبب مقالة. السلطات الجزائرية لم تكتف بملاحقة الصحافيين، بل حجبت مواقع إخبارية عدة، بينها "راديو أم" وموقع "مغرب إيميرجون" و"كل شيء عن الجزائر" و"إنترلين".
وصنّف "المؤشر العالمي لحرية الصحافة" الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود" الجزائر في المرتبة 146 من بين 180 دولة. واتهمت المنظمة السلطات الجزائرية باستغلال جائحة فيروس كورونا المستجد في تصفية حساباتها مع الصحافة المستقلة.
وهذا ليس الرد الجزائري الأول على "مراسلون بلا حدود" منذ نشرت تقريرها يوم الثلاثاء، إذ برر المتحدث باسم الرئاسة الجزائرية بلعيد محند أوسعيد، المعروف أيضاً باسم محمد السعيد، في مؤتمر صحافي عقده، ملاحقة السلطات لعدد من الصحافيين بـ "تجاوزهم القانون وأخلاقيات الصحافة"، قائلاً إنه "ليس هناك دولة في المنطقة العربية والأفريقية لديها هذا الزخم من القنوات والصحف والمواقع الإخبارية، الديمقراطية تحتاج إلى الصوت الآخر والمعارضة، لكن في إطار القانون والأخلاق والحريات، وهؤلاء الصحافيون الملاحقون خرجوا على هذه الحدود الثلاثة وهم مشمولون بالقانون كسائر المواطنين".