بعد معركة وصفت بالسهلة، استطاع رئيس "هيئة الاستعلامات" التابعة للرئاسة المصرية، ضياء رشوان، الفوز بمنصب نقيب الصحافيين في البلاد، حاصداً أصوات 2810 صحافيين، مقابل 1545 صوتاً لأقرب منافسيه عضو مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، رفعت رشاد. وقد أبطل 235 صحافياً أصواتها بكتابة أسماء المعتقلين من زملائهم على بطاقة الاقتراع بدلاً من المرشحين، وعلى رأسهم هشام جعفر.
ويعدّ رشوان نقيب الصحافيين الأول الذي يشغل منصباً حكومياً. إذ إن "الهيئة العامة للاستعلامات" هيئة حكومية تضطلع بدور "جهاز الإعلام الرسمي"، والمسؤولة عن العلاقات العامة للدولة، ما يجعل منه "رقيباً" على ما ينشره الصحافيون بحكم مهامّ منصبه، وخصوصاً في وسائل الإعلام الأجنبية، لامتلاك الهيئة حق إصدار ومنع تصاريح العمل للصحافيين والمراسلين على الأراضي المصرية.
انتقل رشوان من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين على مدار الأعوام الماضية، مرتدياً عباءة الصحافي تارة، والباحث تارة أخرى، والسياسي تارة ثالثة. إذ كان محسوباً على التيار الناصري إبان ترشحه إلى مقعد نقيب الصحافيين عام 2009، وخسر أمام منافسه مكرم محمد أحمد، الذي يتولى حالياً رئاسة "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" (مؤسسة حكومية تحلّ محلّ وزارة الإعلام).
درس رشوان العلوم السياسية في جامعة القاهرة، وحصل على ماجستير في التاريخ السياسي من جامعة السوربون في العاصمة الفرنسية باريس. وعمل باحثاً وخبيراً في مركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" منذ عام 1981، إلى أن تولى رئاسته عام 2011. وعام 2013 فاز بمنصب نقيب الصحافيين لمدة عامين، متفوقاً على منافسه آنذاك عبد المحسن سلامة، وهو نقيب الصحافيين المنتهية ولايته.
وفي الدورة التالية عام 2015، خسر أمام منافسه نقيب الصحافيين السابق يحيى قلاش، بعد منافسة ساخنة بفارق 869 صوتاً لصالح الأخير، ثم اختير عضواً في "لجنة الخمسين" التي وضعت دستور مصر عام 2014، وعضواً في "المجلس الأعلى للصحافة" بين عامي 2013 و2015 ممثلاً عن نقابة الصحافيين. واختير في إبريل/ نيسان عام 2017 عضواً في "الهيئة الوطنية للصحافة" التي تدير وتشرف على الصحف القومية (الحكومية).
وعيّن رشوان رئيساً لـ "الهيئة العامة للاستعلامات" التابعة لمؤسسة الجمهورية، في يونيو/ حزيران عام 2017، وأدلى بتصريحات معادية للحريات عامّةً، والصحافية منها خاصّة، ومن أبرزها دفاعه عن الحكومة في قضية "الإخفاء القسري"، ومهاجمته تقرير شبكة "بي بي سي" البريطانية بشأن تعرض فتاة مصرية تدعى زبيدة للاغتصاب والتعذيب على يد قوات الأمن.
وأصدرت "الهيئة العامة للاستعلامات" برئاسة رشوان، تقارير عديدة متتالية كذبت في مجملها تقرير شبكة "بي بي سي". كما قرر استدعاء مديرة مكتب "هيئة الإذاعة البريطانية" في القاهرة، لتسليمها ما جاء في هذا البيان في صورة خطاب رسمي، لمطالبة الهيئة باتخاذ موقف لتصحيح ما أقدمت عليه مراسلتها من "مخالفات مهنية" في التقرير.
ودعا رشوان المسؤولين المصريين كلهم إلى مقاطعة "هيئة الإذاعة البريطانية"، والامتناع عن إجراء مقابلات أو لقاءات إعلامية مع مراسليها ومحرريها حتى تعتذر رسمياً، وتنشر رد الهيئة العامة للاستعلامات على ما ورد في تقريرها.
ورصدت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير" في تقرير مفصل لها وقائع استهداف الصحافيين من قبل النظام المصري، خلال فترة الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار عام 2018، حمّل "الهيئة العامة للاستعلامات"، منذ تولي رشوان رئاستها، الدور المتصاعد في مراقبة كل ما يُنشر عبر الوسائل والمؤسسات الصحافية الأجنبية عن مصر.
وقال التقرير: "الهيئة تعمل على إنتاج تقرير شهري عن كل ما يُنشر في الصحافة الأجنبية عن مصر لرفعه للسلطات المصرية، وهو ما أثار العديد من الأزمات مع أكبر المؤسسات الصحافية العالمية على خلفية تغطيتها لأكثر من حدث في مصر، كان من أبرزها حادثة الواحات في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017، وخبر وكالة (رويترز) عن حشد الدولة للمواطنين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة".
مرشح النظام
واعتبر رشوان من المحسوبين على النظام الحالي، برئاسة عبد الفتاح السيسي في الانتخابات المنقضية، إذ دعمه بالموافقة المسبقة على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا، المقدم لأعضاء نقابة الصحافيين في المؤسسات القومية والحزبية والخاصة على حد سواء، بنسبة تصل إلى 25 في المائة، ليرتفع من 1680 جنيهاً (نحو 96 دولاراً أميركياً) إلى 2100 جنيه (نحو 120 دولاراً أميركياً).
وتهدد الحكومة المصرية بوقف بدل التدريب والتكنولوجيا من آن لآخر، باعتباره وسيلة ضغط من جانبها على الصحافيين. وهو عبارة عن مخصصات مالية يحصل عليها أعضاء نقابة الصحافيين شهرياً من "الهيئة الوطنية للصحافة" (جهة حكومية).
تواطؤ اللجنة
وقالت مصادر صحافية مطلعة لـ "العربي الجديد"، إن رشوان حظي بدعم واسع من "تيار الاستقلال النقابي"، الذي يضم المئات من الصحافيين الناصريين واليساريين، وهو ما رجح كفته في الفوز بمنصب النقيب بأغلبية مريحة، تحت ذريعة علاقاته المتشعبة مع أجهزة الدولة التي قد تخدم مصالح النقابة، وترجيح إدارته للخلافات داخل مجلس النقابة بشكل أفضل من منافسه الخاسر رفعت رشاد.
وفي خطوة لافتة، رفضت اللجنة الأخذ بتصويت الجمعية العمومية على اقتراح بعدم جواز جمع النقيب أو عضو المجلس بين مقعده ومنصب تنفيذي، برغم مطالب الكثير من أعضاء الجمعية بالتصويت على القرار، والتمرير في المقابل اقتراحاً من النقيب السابق عبد المحسن سلامة، بتبديل الصياغة من مشروع قرار إلى توصية، بإضافة "وأن يتم الأخذ بها من الانتخابات المقبلة"، بدعوى عدم الطعن على نتائج الانتخابات الحالية.
مقاعد العضوية
وفي انتخابات التجديد النصفي لعضوية نقابة الصحافيين، فاز مرشحان اثنان من المحسوبين على "تيار الاستقلال"، أولهما محمود كامل الذي حظي بأعلى الأصوات من بين جميع المرشحين، على خلفية مواقفه المساندة للصحافيين على مدى أربع سنوات شغل خلالها عضوية مجلس النقابة، والثاني هو هشام يونس رئيس تحرير "بوابة الأهرام" السابق، الذي فاز بالمنصب ذاته في دورة (2011-2015).
وينضم كامل ويونس إلى أعضاء المجلس من المحسوبين على "تيار الاستقلال النقابي"، محمد سعد عبد الحفيظ، وعمرو بدر، وجمال عبد الرحيم، لترتفع الكتلة المعارضة للنظام الحاكم داخل مجلس نقابة الصحافيين إلى خمسة أعضاء من مجموع 12 عضواً، ما يُهدد بعرقلة بعض قرارات المجلس اللاحقة، إذا ما انضم إليهم أحد أعضاء المجلس مثل محمد خراجة، الذي اتخذ سابقاً بعض المواقف المساندة لهذا التيار.
خسارة فادحة
في المقابل، مني رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة "صوت الأمة" المملوكة لشركة "إعلام المصريين" التابعة للاستخبارات، يوسف أيوب بخسارة فادحة، إذ جاء في المرتبة السادسة عشرة من حيث ترتيب الأصوات الأعلى، بالرغم من حالة الحشد الكبيرة له من رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة، ودعمه في الانتخابات بالعشرات من المندوبين على أبواب جميع اللجان الانتخابية.
ويعدّ أيوب أحد أبرز "المخبرين الأمنيين" في الوسط الصحافي، وجاء ترشحه بناءً على تعليمات من جهاز الأمن الوطني، على وقع تسليمه قائمة بأسماء الصحافيين الرافضين لاتفاقية تنازل بلاده عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية إلى جهات الأمن قبل عامين، ما تسبب في فصل عشرة صحافيين من صحيفة "اليوم السابع" المملوكة للشركة نفسها.