عندما رفعت جمعية العلماء المسلمين قضيتها للمحكمة العليا، ضد تعامل الإعلام مع الأخبار التي تتعلق بالأقلية ونشر الأخبار المزيفة وإثارة الكراهية، خاصة في أمر جماعة التبليغ، في منتصف شهر إبريل/نيسان الماضي، أجّلت المحكمة القضية قائلةً إنها "لن تكبح حرية التعبير والرأي". يقول بعض الإعلاميين إنّ الإعلام الهندي يلعب نفس الدور الذي لعبه "راديو رواندا" في إبادة التوتسي الذين كانوا يعدّون 5 في المائة من المجتمع. وفي الهند، تُستهدف الأقليات الدينية، خاصة المسلمين الذين يبلغ عددهم حوالي 200 مليون ونسبتهم 14 في المائة في السكان، ويحصل ذلك عبر الإعلام.
الصحف: استغلال الوباء أيضا
يوم 6 إبريل/نيسان 2020، دعت جريدة "استار أوف ميسور"، في افتتاحيتها بعنوان "التفاح السيئ في السلة"، إلى إبادة المسلمين. قالت "لا يمكن إهمال وجود التفاح الفاسد. إنهم موجودون كيفما يريد شخص التعرف بهم بدينهم أو بسياستهم أو بمجتمعهم وذلك بدون تعميم. فإن الحل الأمثل لهذه المشكلة التي خلقها التفاح السيئ هو التخلص منها، مثلما فعله زعيم سابق لسنغافورة قبل بضعة عقود أو ما يفعله زعماء إسرائيل حالياً". أُبرزت هذه الافتتاحية في نسختها الورقية والإلكترونية، وأدت إلى انتقادات واسعة. إثر ذلك، سحبت المادة من موقعها وأوقفت طبعتها الورقية، وهي أزمة تسببت فيها جائحة كورونا.
وهذا نموذج مما يرِد في الإعلام الهندي المطبوع والمرئي وفي المواقع الإخبارية أيضاً حول المسلمين، وأحياناً ضد الأقليات الدينية الأخرى في البلاد، مثل السيخ والمسيحيين. كما أنّ وتيرته تزداد كل يوم.
أدى تفشي وباء كورونا إلى إعلان الإغلاق العام عن طريق رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في 25 مارس/آذار. ومع ذلك، ظهر مشهد آلاف من العمال المهاجرين يعودون إلى قراهم من المدن الكبرى، وتم الكشف عن أنه لم يكن هناك أي تخطيط مسبق للإغلاق العام. أطلق وسم "كورونا جهاد" بالإنكليزية على مواقع التواصل الاجتماعي، في 28 مارس/آذار، ليتهم جماعة التبليغ بنشر هذه الجائحة في الهند، بعدما كانت هذه الجماعة عقدت اجتماعا لها بين 3 مارس/آذار و20 مارس/آذار والذي شارك فيه آلاف من ناشطيها مع الكثيرين من خارج الهند.
استغلّت وسائل إعلام هندية تلك الرواية والفيروس للتحريض على المسلمين أيضاً. نشرت مجلة "إنديان جورنالزم ريفيو" لرصد الإعلام الهندي، دراسةً حول تعامل صحيفة "داينك جاغرن" الصادرة بلغة هندية، حول هذه القضية. والجريدة هي من أكبر الجرائد في العالم من حيث عدد قرائها البالغ 73 مليوناً. وقد نشرت 156 مادة إخبارية وتقريراً منحازاً ضد المسلمين، خاصة جماعة التبليغ، بين 28 مارس/آذار و11 إبريل/نيسان. بالإضافة إلى ذلك، نشرت في هذه الفترة 8 افتتاحيات و5 رسومات ومقالتين. وبحسب هذه الدراسة، فإن معظم عناوين المواد كانت محرضة على استهداف الذين شاركوا في اجتماع جماعة التبليغ ونسبتهم بين جميع المصابين بفيروس كورونا ووفياتها والاتهامات حول تمويل هذه الجماعة و"مؤامرتها لنشر هذا الوباء في الهند".
وتشير الإحصائيات إلى أنّ هناك 17.573 صحيفة يومية بعدة لغات، و100.666 دورية مسجلة في السجل الحكومي وتوزع بين 430 مليون قارئ في طول البلاد وعرضها.
الإعلام نسي مبادئه
يقول الكاتب والإعلامي موكيش كومار، الذي رأس عدة قنوات إخبارية بالهندية في غضون العقدين الماضيين، لـ"العربي الجديد"، إن التحيز ضد المسلمين في الإعلام الهندي بدأ مع هجوم 11 سبتمبر، واستمر حتى وصول اليمين إلى السلطة في كثير من بلدان العالم، ومنها الهند. رأينا زيادة العنصرية في كثير من المناطق في العالم؛ حيث الأغلبية تضطهد الأقلية. وهذا ما نشهده في الهند، وهو ذروة ما فعله الإعلام الهندي بنشر الكراهية ضد الأقليات في البلاد. في الهند، سيطرت الطبقة العليا للهندوس على جميع الشؤون وجعلت الإعلام موالياً للحكومة. هذه السياسة لا تتوافق مع مبادئ الصحافة والإعلام. ويضيف "ما يحدث في الهند يتم بالتعاون بين الرأسماليين والزعماء السياسيين الذين يمتلكون المؤسسات الإعلامية. نحن قلقون مما يحدث على الساحة الإعلامية وتداعياتها. لكن القوة في الجانب الآخر. القوات التي كان بإمكانها أن تساعد في المقاومة ضد هذه السلوكيات أصبحت ضعيفة. لذا نرى استسلام الذين يستنكرون هذا الإعلام".
وتوجد في الهند عدة قوانين لتنظيم الإعلام المطبوع والمرئي والمواقع الإخبارية، لكن لم يتم تنفيذها. ويقول كومار إنّ "بعض السلوكيات للمذيعين والمذيعات يمكن إصلاحها بالقوانين".
للقنوات دور كبير
من بين مجموع 900 قناة فضائية، 400 تلفزيون إخباري يبث في 200 مليون منزل على مدار الساعة في جميع أنحاء الهند. يشير الإعلامي الهندي سيد خالد حسين إلى أنّ "من بينها 24 قناة إخبارية كبيرة من حيث عدد المشاهدين في الهند، تُشتهر بإثارتها للكراهية ضد المسلمين على مدار الساعة. وينخرط الصحافيون والمذيعون فيها في نشر الأخبار المزيفة، والتي تسبب الكراهية تجاه 200 مليون مسلم في المجتمع. هم في الواقع يغذون الإسلاموفوبيا". ويضيف لـ"العربي الجديد": "معظم القنوات الإخبارية في الهند توصف بكلمات مثل كلاب السلطة، أو المرتشيات، أو عملاء الحكم، والتحريضية، من أغلبية الهنود. إن الإعلام الهندي لا يمارس الصحافة، بل يشن حرباً ضد المسلمين. إنهم يتصرفون مثل الضباع".
ومن أبرز القنوات الإخبارية المؤيدة لأجندة منظمة "راشترية سواياك سيواك سانغ أو آر ايس ايس" المتطرفة أو حزب "بهارتيه جانتا" القومي الهندوسي ريبالك تي في (Republic TV)، وتايمز ناو (Times Now)، وانديا توداي (India Today)، وايه بي بي نيوز (ABP News و سي اين اين - نيوز 18 ( CNN-News18)، وآج تاك (AajTak)، وانديا تي في (India TV) وسودارشان نيوز (Sudershan News)، ونيوز نيشان (News Nation) ومجموعة زي نيوز التي لها قنوات عربية ترفيهية أيضاً مثل "زي أفلام".
معظم هذه القنوات يمتلكها سياسيون ورأسماليون من حزب بهارتيا جانتا أو موالون لأجندة حكومة ناريندرا مودي. وتبث القنوات برامج حوارية أو مواد إخبارية مزيفة. في كثير من الأحيان تصوّر العناوين المسلمين كعنيفين، كما ورد في قناة "آج تاك" التي قالت "سيحمل المسلمون السلاح في رد فعل العنف؟". وتنشر البرامج التلفزيونية عناوين مثل "الهند خالية من المسلمين"، "لماذا باكستان (أي المسلمون) في الهند؟"، "مودي سيجعل الهند خالية من المسلمين"، "حزب بهارتيا جانتا يريد الهند خالية من المسلمين".
وبحسب دراسة أجراها مركز الدراسات الإعلامية الهندية، فإنّ 92 في المائة من سكان دلهي يعتمدون على القنوات في أخبارهم ومتابعاتهم، و51.2 في المائة على الجرائد، و44 في المائة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقط 18.6 في المائة على المواقع الإخبارية لمتابعة ماذا يحدث في البلاد والعالم.
الإعلام الإقليمي شريك
الهند بلد متعدد اللغات، وهذا الوضع ينطبق على الإعلام الذي يتحدث بعدة لغات، بينها الإنكليزية، واللغات الإقليمية أيضاً. تشير الصحافية بريثي ناغاراج، والتي تراسل الموقع الإخباري "دي وائر" الهندي من إقليم كارناتاكا أي في جنوب الهند، إلى إمكانية استغلال ذلك. وتقول لـ"العربي الجديد": "وسائل الإعلام الصادرة بلغة "كانادا" قامت بتشويه سمعة المثقفين في أواخر التسعينيات من خلال صحيفة جديدة دخلت السوق. أدى ذلك إلى تصنيف الناس على أنهم كارهون للهندوس ومؤيدون للمسلمين. وكان ذلك جزءًا من خطة أكبر كانت في طريقها إلى التغيير السياسي في وقت لاحق خلال أكثر من عقد أو نحو ذلك".
وتضيف أنّ "بعض المؤسسات الإعلامية الناطقة بلغة كانادا يمتلكها سياسيون ولها ميول سياسية قوية، ومعظم هؤلاء الرجال مرتبطون بحزب بهاراتيا جاناتا بطريقة أو بأخرى. هناك حوالي 25 صحيفة يومية وأسبوعية تصدر بهذه اللغة. يصل عدد القنوات التلفزيونية بلغة "كانادا" إلى حوالي 30 قناة، بما في ذلك الإخبارية والترفيهية. من بينها 9 قنوات إخبارية كبيرة تمتلكها وتدعمها الأحزاب السياسية أو رجال الأعمال المهتمون بالسياسة، وأكثرهم في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم. تؤثر ملكية هذه القنوات ووسائط الإعلام على نوع الأخبار التي يتم تغطيتها واللون الذي تحتاجه مع كل خبر".