موسكو تراقب الخاضعين للحجر الصحي بشبكة كاميرات واسعة

25 مارس 2020
170 ألف كاميرا مراقبة في شوارع موسكو (صفا كراشان/الأناضول)
+ الخط -
تلعب شبكة واسعة ومثيرة للجدل من كاميرات التعرّف على الوجه، المنتشرة في موسكو، دوراً رئيسياً في المعركة لمكافحة تفشّي فيروس كورونا الجديد في روسيا.

ونصّبت المدينة التقنية إياها قبيل وصول الوباء إلى روسيا، متجاهلةً الاحتجاجات والاعتراضات القانونية على الرقابة الحكومية المتطورة.

ومنذ الشهر الماضي، تم فرض العزل الذاتي الإجباري لمدة 14 يوماً، على الآلاف من سكان موسكو الذين قدموا من بلدان أصيبت بالفيروس، أو ممن كانوا على اتصال مع حالات مصابة به أو تم تشخيص أعراض خفيفة عليهم. 

وسجلت الشرطة تفاصيلهم وحذرتهم من الخروج إلى شوارع المدينة البالغ عدد قاطنيها 16 مليوناً، تحت طائلة السجن خمس سنوات أو الترحيل للأجانب. وقال رئيس بلدية المدينة سيرغي سوبيانين، في مدونته، الشهر الماضي: "ندقق بشكل مستمر في ما إذا يتم احترام هذه الضوابط من خلال استعمال نظام التعرف الآلي على الوجوه".

وعلى مدى العقد الماضي، وضعت في موسكو نحو 170 ألف كاميرا مراقبة في شوارعها ومحطات المترو. وتم ربط نحو 100 ألف منها بأنظمة ذكاء اصطناعي بإمكانها التعرف على الأشخاص الذين يتم تصويرهم، على أن يتم ربط العدد المتبقي قريباً. وأفادت شرطة موسكو، الأسبوع الماضي، بأنّ الكاميرات المربوطة بالنظام الجديد سمحت لها بالتعرف على مائتي شخص خالفوا ضوابط الحجر الصحي.

وفضلاً عن الكاميرات، أكدت روسيا اعتمادها على مجموعة من التقنيات الحديثة لمحاربة الفيروس، بما فيها استشارات طبية عبر دائرة تلفزيونية مغلقة ومراقبة مباشرة لرفوف متاجر المواد الغذائية، وكذلك إزالة الأخبار الزائفة من مواقع التواصل الاجتماعي.

وزار الرئيس فلاديمير بوتين، مركزاً للتقنيات الحديثة، الأسبوع الماضي، تمت إقامته لمراقبة تطور حالة الفيروس واستراتيجية السلطات حياله.

وبحلول الإثنين، سجّلت البلاد 438 إصابة، معظمها في موسكو. وتوفي شخص مصاب، لكن السلطات لم تربط وفاته بالفيروس.

وتفاخرت بلدية موسكو بأنّ شبكة الكاميرات تلك أداة فعالة جداً. وقال سوبيانين إن السلطات تحتفظ بمعلومات الاتصال وعناوين 95% من الذين فرض عليهم الحجر الصحي، إثر عودتهم من بلدان انتشر فيها الفيروس. وأضاف رئيس بلدية موسكو، الذي يرأس مجموعة عمل لمواجهة الفيروس أمر بوتين بتأسيسها: "حددنا أمكنة وجودهم".

وفي مدونته، الشهر الماضي، امتدح سوبيانين فعالية تقنية التعرف على الوجوه عبر نشره قصة امرأة صينية تبينت إصابتها بالفيروس، بعيد وصولها ليتم نقلها إلى المستشفى.

وتم الحجر على امرأة تشاركها السكن في الشقة، لكن الكاميرات صورتها تسير في الشارع وتلتقي صديقاً. وأضاف سوبيانين أن السلطات نجحت بشكل سريع في جمع تفاصيل عن أكثر من 600 شخص من جيران المرأة ،وحتى سائق سيارة الأجرة الذي أقلّها من المطار.

وتمت تجربة تقنية التعرف على الوجوه، خلال كأس العالم لكرة القدم في 2018 للمرة الأولى، قبل أن يبدأ تشغيلها بشكل كامل، في يناير/ كانون الثاني الماضي، قبيل انتشار الفيروس.

وقال رئيس مجلس إدارة شركة "إن تك لاب"، التي ربحت مناقصة تزويد المدينة بالتقنية، ألكسندر مينين إن "احتمال الخطأ، رياضياً، يبلغ من 1 إلى 15 مليوناً". وأفاد مينين "فرانس برس"، مطلع العام الجاري، بأن أجهزة شركته التي تم تصديرها إلى الصين وأميركا الجنوبية قادرة على التعرف على الشخص، من خلال ظله فحسب "في 80% من الحالات".

وتتصدر روسيا والصين هذا المجال دولياً، من خلال امتلاكهما أكثر التقنيات تعقيداً، حيث يتم تصديرها إلى أكثر من 100 دولة، بحسب بحث كتبه الباحث في الأمن الإلكتروني في جامعة أكسفورد فالنتين ويبر في 2019.

وقال ويبر، لـ"فرانس برس"، إنه "بسبب قوانين حماية البيانات في أوروبا التي تعتبر أكثر صرامة، فإن تقنية التعرف على الوجوه غير مطبقة على نطاق واسع. إن القيود القانونية على الشركات الصينية والروسية، لجمع واستخدام البيانات، أقل صرامة من نظيراتها الأوروبية".

وقبل تفشي "كوفيد-19"، حذر منتقدون للتقنية من إمكانية استخدامها بشكل زائد عن الحد من قبل السلطات لأغراض المراقبة، بما يذكر برواية جورج أورويل الشهيرة "الأخ الأكبر" الصادرة في 1984. وتكمن المخاوف في أنه بدلاً من حماية العامة، فإنه يمكن استخدام الكاميرات لمراقبة أعداء الكرملين وتقويض الحقوق والحريات المدنية.

وحذر الباحث في الأمن الإلكتروني والقرصان الإلكتروني الفرنسي المشهور بابتيست روبير، من أنه "لطالما يتم استخدام حجّة الأمن لتبرير نقص الخصوصية والحريات الشخصية. هنا تكمن المشكلة الأكبر والخطر الأكبر".

وقال مطوّر هذه التكنولوجيا مينين إنه يثق بسلطات موسكو، ويصر على أن البيانات الشخصية مثل معلومات جواز السفر وأرقام الهواتف لا يتم تسجيلها في نفس سجّل البيانات مع صور الكاميرات. ويؤكد أنّ مجموعة البيانات يمكن مقارنتها من قبل قوى إنفاذ القانون فحسب، في حال تبين أنّ ذلك ضروري جداً.

لكن معارضي هذه التقنية يرون فيها تهديداً، بالنظر إلى تاريخ الرقابة السوفياتية حيال أولئك الذين كان يرى جهاز الاستخبارات "كي جي بي" أنهم أعداء للدولة.

وأطلقت الناشطة الحقوقية المعروفة والمحامية إليونا بوبوفا، حملة قانونية ضد استخدام تقنية التعرف على الوجوه، خلال تظاهرة مرخص لها قانوناً، في سبتمبر/ أيلول الماضي. وقالت إن الكاميرات كانت مربوطة بأجهزة كشف عن المعادن طلب من كل محتج العبور من خلالها.

وأفادت بأن "الاستخدام الواسع لتكنولوجيا التعرّف على الوجوه يرقى إلى رقابة للمواطنين من قبل الدولة، ولا شك في أن الدولة ستستخدمها ضد معارضيها السياسيين".

وبينما تم تجاهل شكواها القضائية، إلا أن عريضة أطلقتها عبر الإنترنت على موقع "تشينج.أورغ" ضد استخدام التكنولوجيا حظيت بنحو 75 ألف توقيع قبل أزمة "كوفيد-19". بدوره، ينفي مكتب رئيس البلدية أن تكون التكنولوجيا مستخدمة لمراقبة المعارضة.

وفي مسعى لتسليط الضوء على المسألة، نظّم أربعة ناشطين وقفة احتجاجية خارج مكاتب إدارة الشؤون الرئاسية، حيث غطت وجوههم أشكال هندسية وخطوط بألوان فاقعة قيل إنها لتشويش الكاميرات. ونظّمت تظاهرة مشابهة في لندن.

وقالت إحدى المتظاهرات، وهي الفنانة كاترين نيناشيفا: "كانت هناك حالات لناشطين سياسيين اعتقلوا في المترو، بعدما تم التعرّف عليهم بمساعدة الكاميرات". وتمّ تغريم أربعة من الناشطين بمبلغ 15 ألف روبل (185 دولاراً)، بعدما اتهموا بتنظيم تظاهرة غير مرخّصة.

من جهته، حذّر رئيس "إن تك لاب" مينين من أنّ تلوين الوجوه أو إخفاءها لن يساعد في النهاية الأشخاص الذين يحاولون تجنّب التعرّف عليهم. وقال: "يمكننا العمل حتى عندما يكون ما يصل إلى 40% من الوجه مغطى بخوذة أو قناع طبي".


(فرانس برس)
المساهمون