عنصريّة ترامب مرآة نفاق "تويتر"

17 يوليو 2019
النائبات من أصول مهاجرة وعرقية مختلفة (أليكس روبلويسكي/Getty)
+ الخط -
تُعيد قضيّة تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب المليئة بالعنصرية وكراهية الأجانب والذكوريّة، تناقض موقع "تويتر" وتخبّطه في التعامل مع المحتوى البغيض، إلى درجةٍ يُمكن وصفها بالنفاق. إذ لن يحذف الموقع تغريدات الرئيس الأميركي العنصريّة التي نشرها نهاية الأسبوع الماضي، مستخدماً لغةً مليئة برهاب الأجانب لمهاجمة أربع عضوات ديمقراطيات في الكونغرس، بحجّة أنّها "لا تتعارض مع قواعد الموقع"، وهو استنتاج يتناقض مع سياسات "تويتر" نفسها أصلاً، وبعضها لم يمرّ على استحداثه وقت طويل.
 
فقد هاجم ترامب عضوات ديمقراطيات في مجلس النواب من أصول أجنبية (لم يسمهن)، الأحد الماضي، داعياً إياهن إلى "العودة" من حيث أتين، ما دفع مسؤولين إلى نعته بـ"العنصري" المصاب بـ"رهاب الأجانب". وبدا أنّ ترامب يقصد مجموعة من الشابات المتحررات اللواتي دخلن مجلس النواب للمرة الأولى؛ وهنّ ألكسندريا أوكاسيو كورتيز النائبة عن نيويورك (تنحدر من بورتوريكو)، ورشيدة طليب عن ميشيغن (أصل فلسطيني)، وإلهان عمر عن مينيسوتا (أصل صومالي)، وإيانا بريسلي عن ماساتشوستس (أفريقية أميركية).

الردّ الأول كان من قبل مستخدمي تويتر، وبينهم إعلاميون وممثلون ومنتجون وسياسيون ومواطنون أميركيّون، رفضوا، فوراً، تصريحات ترامب، فنشروا وسمَي #TrumpIsARacist (ترامب عنصري) و#RacistInChief (الرئيس العنصري) واللذين احتلّا لائحة الأكثر تداولاً على الموقع يوم الأحد.

بعد ذلك، ردّت النائبات الأربع على ترامب عبر مؤتمر صحافي أكّدن فيه أنّه لن يتم إسكاتهنّ. وبعد الانتقادات والغضب والإدانات الواسعة لكلام ترامب محلياً ودولياً، كرر هجومه، واتهمهنّ أيضاً بأنّ لديهن مشاعر "حب لأعداء الولايات المتحدة كالقاعدة"، قائلاً إنّ "هؤلاء أشخاص يكرهون بلدنا"، مضيفاً "إن كنتن غير مسرورات هنا يمكنكن المغادرة".

تُمثّل هذه الحلقة أول اختبار لموقف جديد أعلنه تويتر في 28 يونيو/حزيران الماضي، والذي يُصنّف تغريدات من ترامب وقادة العالم الآخرين الذين ينتهكون قواعد المنصّة، بدلاً من إزالتها، عبر وضع "إخلاء مسؤولية"، عليها. كما تحظر سياسة "تويتر" الجديدة، المتعلّقة بالسلوك البغيض "استهداف الأفراد بإهاناتٍ متكرّرة، التعابير المجازيّة، أو غيرها من المحتوى الذي يهدف إلى التجريد من الإنسانيّة والتقليل من قيمة فئة أو إعادة تعزيز صور سلبية وقوالب نمطيّة عن فئة معيّنة".

وتقول سياسة الموقع المعلنة في التاسع من يوليو/تموز الحالي "نحن ملتزمون بمكافحة الإيذاء المدفوع بالكراهية أو التحامل أو التعصّب، وخصوصاً الإساءة التي تسعى إلى إسكات أصوات أولئك الذين تمّ تهميشهم تاريخياً". وكتب فريق سلامة تويتر حول قوانينه لمواجهة سلوكيات الكراهية التي تجرّد الجماعات الدينية من إنسانيتها "لقد وضعنا قواعدنا للحفاظ على أمان الناس على تويتر، هي تتطوّر باستمرار لتعكس حقائق العالم الذي نعمل فيه. ينصب تركيزنا الأساسي على معالجة مخاطر الضرر غير المتصل بالإنترنت، ويظهر البحث أن اللغة اللاإنسانية تزيد من هذا الخطر".

وهذا المقطع هو بالتحديد ما قام به ترامب بتهجّمه على النائبات من أصول أجنبيّة. وفيما يُدان كلام ترامب من مسؤولين أميركيين ومن حول العالم، لن يتحرّك "تويتر" لإزالة التغريدات أو لتصنيفها كمسيئة وتنتهك سياسات استخدام الموقع. إذ أكّد متحدث باسم الشركة لـ"سي إن إن" أنّ تغريدات ترامب لن تحمل تصنيفاً على أنّها خرق. وبعد السؤال حول التناقض بين سياسة الشركة وتعاملها مع تغريدات ترامب، رفض المتحدث أن يقدّم أي تعليقٍ إضافي.

وكانت الشركة قد قالت إنّ سياسة تويتر الجديدة المتمثلة في تصنيف التغريدات من قادة العالم الذين ينتهكون قواعدها، بدلاً من إزالتها، هي محاولة للحفاظ على التغريدات التي تخدم المصلحة العامة. إذ إنّ تويتر لم يزل أي من تغريدات ترامب التي خرقت قواعده، مع العلم أنّه انتهكها مراراً وتكراراً.

لكنّ هذه القضيّة التي تُبرز رغبة ترامب بشحن حملته الانتخابية للرئاسة عام 2020 بخطاب عرقي عنصريّ، محاولاً استمالة ناخبيه وأغلبيتهم من البيض أصلاً، توضح تخبّط شركة التواصل الاجتماعي في التعامل مع المحتوى المسيء. فما يراه العالم عنصرياً، لا يتحرّك "تويتر" ضدّه، في نفاقٍ واضح، إثر محاولته الإبقاء على ترامب كمغرّد رئيسي، يستفيد منه الموقع الذي واجه خلال السنوات الماضية أزماتٍ في النمو، مقابل أرباحٍ كبيرة حققتها المنصات الأخرى. فقد أكّد المحلل جيمس كاكماك في مقابلة مع وكالة "بلومبيرغ" عام 2017 أنّ الموقع مُهدّد بخسارة حوالي خُمس قيمته في حال انسحاب ترامب، وأفاد بأن الشركة المالكة للموقع قد تواجه خسارة تقدّر بملياري دولار أميركي، في حال امتنع الرئيس عن التغريد. ولن يكون ذلك بسبب هجرة المستخدمين، لكنّ خسارة "تويتر" مغرده الأكثر بروزاً قد تضرب قيمة الموقع المعنوية، وتؤدي إلى انخفاض الأرباح، بحسب كاكماك.

هذا كلّه، رغم أنّ علاقة ترامب بتويتر متوتّرة أصلاً. فالرئيس دأب خلال الشهرين الأخيرين على اتهام الموقع بالتضييق عليه، وتصعيب متابعته من قبل المستخدمين، من دون تقديم أيّ دليل على زعمه ذاك. هذا عدا عن إقامته قمةً للتواصل الاجتماعي في البيت الأبيض، دون دعوة تويتر وفيسبوك وغوغل إليها، مكتفياً بأصدقائه المحافظين، منتقدي وسائل الإعلام التي يكرهها الرئيس.